رفات صديق

أقريني أمينوه

قبل قليل فى زحمة العاصمة هنالك حيث يذبح الرجال كل يوم على مقصلة الواقع؛ التقيت برفات صديق لم يبق من ملامحه التى كنت أعرفها قبل ربع قرن سوى وميض من بريق عينيه !.
===
فالفتى الذي كان مثار إعجاب لفيلق من مجانين صغار  الحي لفرط ترتيب مظهره وحسن هندامه يرتدي اليوم فضفاضة مرقعة كانت بيضاء فى أزمنة أخرى!.
كان "الفتى" يخرج الينا فى مساءات الكرة العجيبة بإطلالة نجم شباك ناج من أيادي ثلاث خالات وأم همهن الوحيد أن يظل طفل المنزل الوحيد بكامل ابهته؛ ولكن ما لم يكن يخطر على بالهن أن الزمن سيعبث بكل ذلك التاريخ من النصاعة والوضاءة؛ وهاهو اليوم بائع متجول لعطور من الدرجة العاشرة ومقيم فى جيب عشوائي قرب الكيلومتر السابع عشر عند مدخل نواكشوط من جهة روصو!
===
وبكثير من الكياسة سألته عن أحوال عائلته؛ عن أمه التى كانت تنقذ صباحاتنا بفطورها الملكي الذي يتناثر فى باحة الابتدائية؛ وعن خالاته اللاتي لا هم لهن فى دنيا الناس هذه سوى إخراجه كقطعة الماس تلمع!.
تأثر الفتى وقال بصوت يُقطع القلب 
توفوا جميعا رحمة الله تغشى ارواحهن الطاهرات.
واستطرد بعد رحيل أسرتي توقفت دراستي وشيئا فشيئا ابتلعتني الحياة لتقذفني على قارعة " افاركوا" بائعا لهذا الهراء الذي تراه.
سألني الفتى عن أصدقائنا المشتركين وسجل أرقامهم فى هاتفه العجيب وودعني بابتسامة ذكرتني بالطفل السعيد الذي كانه قبل ربع قرن.

سبت, 16/12/2023 - 12:25