المغرب وموريتانيا.. نجاح في إدارة ملف الهجرة رغم التحديات

نجحت المملكة المغربية وموريتانيا في وضع سياسة محكمة ودقيقة في مجال الهجرة، تركزت على مجموعة من الأهداف تجمع ما بين إدارة تدفق المهاجرين وتسهيل اندماج الشرعيين منهم.

وخلال العقد الماضي سعت كل منهما إلى بناء استراتيجية وطنية شاملة ومحكمة وذات أبعاد إنسانية وتضامنية لمتابعة ملف الهجرة، تقوم على مبدأ الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي انخراط فيها المغرب وموريتانيا.

ومما لاشك فيه أن الأجندة الأفريقية للهجرة تعتبر ثمرة للحوار المستمر مع العديد من رؤساء الدول كانت موريتانيا والمغرب من ابرز الشركاء فيها حيث تم تصميمها بنهج شامل وتشاركي؛ تشتمل على أفكار ومقترحات مقدمة من طرف المؤسسات الرسمية وهيئات المجتمع المدني والباحثين في أفريقيا بشكل مرن وتطوري وغير ملزم قانونً، وكانت عاملاً من عوامل التقارب بين الشعوب والحضارات.

تقترح هذه الأجندة نهجا يعتمد على السياسات الوطنية وتنسيق دولي وإقليمي ومنظور قاري وشراكة دولية وتجعل مسألة الهجرة وسيلة للتنمية المشتركة، وركيزة للتعاون بين بلدان الجنوب ومحركا للتضامن.

المغرب خطط وأهداف لنجاح التجربة

وفي إطار الرؤية الجديدة والشاملة للهجرة والتي عبَّر عنها العاهل المغربي محمد السادس أول مرة، في سبتمبر سنة 2013، من خلال ِحَثِّه للوزراء في العدل والداخلية والخارجية، إلى المبادرة إلى إصلاح سياسة استقبال المهاجرين على التراب المغربي، على إثر ما توصل إليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره.

وقد اختلفت وتنوعت طرق تعامل المغرب مع الهجرة والمهاجرين، واتخذت صيغًا عديدة ومتعددة، وقد دشَّن المغرب السياسة الأولى بتشديد المراقبة لسواحله، في الشمال على المتوسط، كما في الغرب على المحيط الأطلسي، قبالة جزر الكناري، بالإضافة إلى تأهيل موظفيه من شرطة الحدود العاملة في نقط العبور، ثم تأهيل ترسانته القانونية لتواكب التغيرات والتطورات الجديدة، في عالم جرائم التزوير والتزييف للهويات والوثائق وانتحالها، وتأهيل فرق مكافحة الجرائم وتفكيك العصابات المتخصصة في ميدان تهريب البشر.

على المستوى الداخلي اعتمد المغرب منذ سنة 2013 سياسة وطنية للهجرة واللجوء، منطلقة من بعد إنساني، ومطابقة لالتزامات المغرب الدولية ومحترمة لحقوق المهاجرين حيث اعتمد أيضًا في ديسمبر 2014 استراتيجية وطنية للهجرة واللجوء تستند على التكامل السوسيو-اقتصادي للمهاجرين وقد اعتمدت هذه السياسة على المرتكزات التالية:

متابعة ورش تحديث وتحيين الإطار القانوني والمؤسساتي المتعلق باللجوء واللاجئين وكذا مكافحة الاتجار بالبشر.

إجراءات وتدابير لتعزيز الإدماج السوسيو-اقتصادي للمهاجرين في المجتمع المغربي.

مكافحة شبكات الاتجار بالبشر.

وفي هذا الإطار تم إجراء عمليتين استثنائيتين لتسوية الوضعية الإدارية غير القانونية للأجانب داخل التراب الوطني للملكة، وهو ما تم خلال سنتي 2014 و2016، وهو ما عرف استفادة 50.756 مهاجر، وتمكين 23.464 منهم تصريح الإقامة؛ كما أعدت المغرب مخطط عمل مرتكز على أربعة محاور أساسية متمثلة في:

وضعية اللاجئين وطالبي اللجوء؛

قضية الأجانب في وضعية إدارية غير نظامية؛

محاربة الاتجار في البشر؛

تحسين ظروف الأجانب في وضعية نظامية. 

وعلى المستوى القاري فبما أن للمغرب علاقات متميزة مع البلدان الأفريقية لم تكن وليدة اليوم، بل هي متجذرة عبر التاريخ، الذي يشهد للمغرب بتضامنه ودعمه القوي لكفاح الدول الأفريقية من أجل الانعتاق من الاستعمار والحصول على الاستقلال؛ وقد تواصل دعم المغرب وتضامنه مع بلدان القارة الأفريقية في جميع الظروف، وقد مثل اختيار الملك محمد السادس رائدا للاتحاد الإفريقي في مجال الهجرة حدثا مفصليا جعل من المملكة مدافعا نشيطا ومنخرطا في الانشغالات الإفريقية سواء على المستوى الجهوي وكذا الدولي.

وخلال انعقاد القمة 30 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، ديسمبر 2018، قدم الملك محمد السادس ، تقريرا حول الأجندة الإفريقية التي تعتبر الهجرة كعامل للتقارب بين الشعوب والحضارات لجعل الهجرة رافعة للتنمية المشتركة وأساسا للتعاون جنوب –جنوب و محركا للتضامن؛ اعتمدت جلسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي المنعقدة في يونيو 2018 مقترح الملك محمد السادس كقائد إفريقي لتأسيس مرصد إفريقي للهجرة من أجل المساعدة في تحقيق الالتزامات التي تم التعهد بها في إدارة الهجرة والمساهمة في صياغة وتنفيذ السياسات الموضوعة على المستوى القاري.

أما على الصعيد الإقليمي فقد ظل المغرب على مر السنين بوابة للهجرة السرية نحو أوروبا، وهو ما جعله مركز اهتمام من لدن دول الاتحاد الأوروبي، عبر عقد اتفاقيات تهدف إلى وضع حد لهذه الظاهرة المرتبطة بالتغييرات على المستوى العالمي، خصوصا في ظل تزايد نزوح عدد من الأفارقة نحو المغرب، بسبب الحروب والكوارث الإنسانية التي تعرفها بلدانهم.

وفي هذا الإطار وتمشيا مع تنفيذ مسلسل الرباط -الذي يعد أرضية للتبادل والحوار الأورو -إفريقي بشأن السياسات والفرص والتحديات في مجال الهجرة والتنمية بهدف تبادل التجارب والممارسات الفضلى وإرساء شراكات وتحديد الأولويات الدولية في هذا المجال -استضاف المغرب المؤتمر الوزاري الخامس للحوار الأوروبي - الأفريقي حول الهجرة والتنمية يومي 1 و 2 مايو 2018 في مراكش، والذي تكلل باعتماد إعلان خطة عمل مراكش؛ وتساهم خطة عمل مراكش ، التي تندرج ضمن أجندة الأمم المتحدة 2030 ، في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتتضمن الخطة 23 إجراء تتمحور حول 10 أهداف تروم تحقيق فهم مشترك للأسباب العميقة والجذرية للهجرة غير الشرعية، مع الرفع من التأثير الإيجابي للهجرة المنظمة من أجل التنمية، وتعزيز الهجرة المنتظمة والتنقل خاصة بالنسبة لفئة الشباب والنساء بين أوروبا ، وشمال افريقيا، وغرب ووسط ، وداخل هذه المناطق.

أما على المستوى الدولي فقد عمل المغرب على جعل قضية الهجرة أولوية في سياسته التنموية، وفي هذا الإطار، ترأس القمة الحادية عشرة للمنتدى العالمي للهجرة والتنمية التي عقدت في مراكش في الفترة من 5 إلى 7 ديسمبر 2018؛ كما استضاف المغرب أيضا المؤتمر الحكومي الدولي لاعتماد الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية يومي 10 و 11 ديسمبر 2018 في مراكش ، والذي توج بتبني اتفاق مراكش من طرف ممثلي 165 حكومة في العالم؛ كما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاق مراكش في 19 ديسمبر 2018، بأغلبية 152 صوتًا مقابل خمسة أصوات (الولايات المتحدة والمجر وجمهورية التشيك وبولندا وإسرائيل) وامتناع 12 عن التصويت.

موريتانيا نجاح ورفع للتحديات

لقد نجحت التجربة الموريتانية في ميدان الهجرة رغم التحديات المصاحبة تلك التجربة التي أعلن عنها من خلال إطلاق استراتيجية وطنية شاملة للهجرة، عام 2010، شاركت في وضعها العديد من الوزارات، وعملت على تحديد نقاط العبور البرية والبحرية والجوية، وسن قوانين رادعة للتعامل مع ظاهرة الهجرة السرية، ووضع نظام صارم لمنح التأشيرات، واستحداث نظام بيومتري للحالة المدنية وتسجيل الأجانب، إلى جانب تشديد الرقابة الأمنية على الحدود؛ وهي إجراءات ساهمت كلها في الحد من تلك الظاهرة بشكل ملحوظ.

وقد رفعت موريتانيا بهذه الاجراءات تحديات عديدة مردها هو "تعاون الضحية مع الجاني" واتساع الحدود واعتماد شبكات التهريب على المجرمين فضلا عن أن الجريمة تقع في أكثر من بلد. 

ومن أهم المهام والخطط التي عملت عليها الجهات الرسمية الموريتانية عليها في ملف الهجرة، يمكن أن نذكر:

تشجيع الهجرة المؤقتة أو الموسمية للعمال الموريتانيين (وخصوصا مع الدول الأوروبية مثل اسبانيا ودول الخليج العربي)؛

ضمان تنفيذ مخططات لدعم عودة وإعادة توطين اللاجئين الموريتانيين (على سبيل المثال، تم تنظيم عودة اللاجئين الموريتانيين في السنغال ومالي منذ عام 2008)؛

وضع برامج عامة لقبول المهاجرين، وإصدار شهادات الإقامة والعمل للرعايا الأجانب؛

تطوير خطط عمل لجذب العمال المهاجرين في قطاعات اقتصادية محددة (الخدمات، صيد الأسماك، والتعليم) لضمان مشاركتهم في التنمية الاقتصادية المحلية؛

تقوية السبل الكفيلة بإدارة وتسيير الحدود البرية والبحرية، وكذا الحد من ارتفاع حركة الهجرة غير القانونية والعابرة للحدود؛

خفض تعداد المهاجرين غير الشرعيين من خلال إجراءات التسوية القانونية والإبعاد؛

تحديد طالبي اللجوء المتواجدون على الأراضي الموريتانية، وتحديد حالات وظروف إقامتهم؛

تعزيز السيطرة على الحدود البرية والبحرية لمحاربة الهجرة غير الشرعية والعبور، مع تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمهاجرين غير شرعيين في مراكز العبور (مثل تحسين الأوضاع في مخيم الحجز في نواذيبو).

إن موريتانيا والمغرب يعتبران فاعلان في عدد من الآليات الدولية لحقوق الإنسان وحقوق المهاجرين والقانون الدولي للاجئين؛ حيث كانا من بين الدول الأوائل التي انضمتا إلى الوعي العالمي حول قضايا الهجرة، وذلك من خلال التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والتي كانا من المروجين لها.

وقد اكتسبت موريتانيا والمغرب خبرة طويلة في مختلف جوانب الهجرة، جعلت منهما عضوين نشيطين في كل مسلسلات التشاور الجهوية والدولية حول الهجرة (الحوار الرفيع المستوى حول الهجرة والتنمية، عملية فاليتا، مسلسل الرباط، حوار 5 + 5 ، المنتدى العالمي للهجرة والتنمية والميثاق العالمي للهجرة).

إذن يمكن القول إن التجربتين الموريتانية والمغربية في ميدان الهجرة قطعتا أاشواطا كبيرة من الضروري أن تواكب ليستفيد كل منهم من الآخر لينعما بمزيد من النجاحات في الميدان الذي بات يشكل تحديا كبيرا لكثير من الدول الافريقية ذات الطبيعة المشتركة معهم.

د. محمد محمد نافع

سبت, 27/07/2019 - 22:14