معارض الكتب .. بين البصر والبصيرة

أدي آدب

نظرًا لِخُصوصيةِ طقوسي مع الكُتبِ، فإني لا أرَى المَعْرِضَ كما تراهُ عيونُ كثيرٍ من زُوَّاره، بل تتفاعَلُ  في ذهْني عِدَّةَ مَعارضَ.. للأفكار.. للأرواح.. للمَعارف.. للعلوم.. للاختصاصات؛ حيْثُ تخْرُجُ هذه المعْروضاتُ - من رمْزيتها -إلى عالم التشيُّئ.. فأتصوَّرُها، وهي في عالمها القبْلي، في سَديمِها الهُلامي، تتشكَّلُ في أذْهان مُبْدِعِيها شيْئا فشيْئا، وتتقمَّصُ الأصْواتَ والحروفَ، لتبْنِي -من سَلاسِلها المَنْطقية، ودَوَالِّها البيانية- كيانَها الجديد، عبْر سيْرورة تخلُّقها التي لا تنْتهي بمُجَرَّد اتخاذها شكْلَ كتابٍ.. بل تواصِلُ تمَدُّدَها الوُجودي، وحِوارَها الفِكْري، وتفاعُلَها الرُّوحي، مع مَنْ يَقتنُونها، وحتَّى معَ المُتسكِّعينَ هناك، حيث تُعْتبر مُجرَّدُ قراءة العناوين، والسياحة فيها، هي الأخرى، معْرضا ذِهْنيا مُوازيا، يعيدُ المارُّون العابرون بناءها، في وعْيهم، وحتى في لا وعْيهم، إذ أن "الكتابَ يُقْرَأُ منْ عنْوانه"، كما يقالُ.
 وحين تتنقلُ ببَصَرِكَ من عنوان، إلى عنوان، تبدأ  بَصِيرتُك.. في ترْكيب تصَوُّرٍ مَعْرفِيٍّ حوْلَ الموْضوعات المَعْرُوضَة، حيث تنْطرِحُ عليْكَ مُباشرة تلك الأسئلة والإشكالات  التي راودتْ ذهْنَ المؤلف أو المُبْدع، في وقت الإعداد والإنجاز، وتنْطلقُ "مُحَرِّكاتُ البَحْثِ" في ذِهْنية المُتَلَقِّي تسْتحْضِرُ أجْوِبَتَها المُفْتَرَضَةَ.. وتُجَمِّعُ أشْتاتها.. وهكذا تُسابِقُ البَصيرَةُ البَصَرَ في إعادة تأليف تلك العناوين الكثيرة، ولوفي ثَوَانٍ، حسَبَ سُرْعَةِ الزمن النفْسي، الرُّوحِي، وآلِيَّتِه المُرَكَّبَة المُعَقَّدَة، غير القابِلَةِ للقياس العادي، ومن هُنَا تتحَوَّلُ منْ مُسْتَطْلِعٍ عادٍ.. لعَناوين رُفوفِ تلك المَعارض...إلى مُعيدٍ لتأليفِ كلِّ معْروضاتها،  التي تجُوسُ خِلالها، في دقائق طَوافِك  المُتَنَاهَبَة بين ذاتِك المُسْتَعْرِضَةِ من جِهَةٍ، وبيْن العارض، والمَعْرُوض، من جهة أخرى

جمعة, 31/10/2025 - 08:10