عار له مردود خطير على مستقبل الأمة إن لم يُغسل، يتلبس مليارا ونصفاً من شعوب المسلمين بحكامهم. عار أبتدأ في تمنعهم عن نصرة اخوة لهم في العقيدة والإنسانية يبادون بمذابح جماعية، واكتمل بأخذ الشعوب الأوروبية دورهم نيابة عنهم بدافع العطف والحس الإنساني، متجاوزين بعمق خيانتهم خيانة حكام انظمة دول عربية قدّر المستعمرون لهم أن يخلفوا قادة أحراراً خاضوا صراعا لعقود مع قوى الإستعمار وشعوبها أنهكتها معاناة هجمة تحالف الأنظمة والمستعمر بكل أسلحتهم حتى دجنتها، وكل هذا في الوقت الذي كانت فيه أنظمة المسلمين تستسلم طواعية لهذه القوى. واليوم يحاكمون العرب ولا يحاكمون أنفسهم. فالقدس والمقدسات بعرفهم المستحدث تخص العرب وحدهم، وفلسطين ليست وقفا إسلاميا، أو أن الرد على الخيانة أصبح بالخيانة، لكنها خيانة عميقة لأنها تقوم على مسلمات عقدية خاطئة.
فالعرب واجهوا حرباً استعمارية شملت كل الجوانب، وخصت الفلسطيني بسحق هويته وملاحقته في كل مكان، في مرحلة امتدت منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة على خلفية افتراس منطقتهم التي تختزن ينبوع أسباب القوة المادية والدروب البرية والمائية للعالم وتختزن عقيدة الفطرة التي تهضمها النفس البشرية، وفيها التهديد للقيم المادية. وكانت الدول الإسلامية قاطبة في تلك المرحلة ولغاية السبعينيات من القرن المنصرم متوزعة بين التزام الحياد والتعاون مع الكيان على العرب، إلى أن اجتاحتنا في السبعينيات الخيانة المعلنة لأنظمة عربية بدءا من كامب ديفيد، حيث قامت معظم أنظمة المسلمين بالتحالف معها لتتكرس بهذا خيانة الأمة.
نعم، الطوفان جعل الكيان في مواجهة مع العالم، الذي صنعه. لكن طبيعة عار الشعوب الإسلامية في هذه المواجهة سيقرأه العالم والعدو الغربي بتحليل طبيعته وأسبابه ويبني عليه مستفيداً في صراع قادم معنا كأمة، وهذا ما لا نريده. فلا يُمكن الصمت عنه ولا عليه، ففك اللغز الكامن وراء انسلاخ شعوبنا عن موروثها العقدي والإنساني وتسوية الخلل، مصيري في مواجهة المستقبل الذي ندخل فيه بمستجداته. فالعالم يعيش مرحلة تطور النظام الدولي الحالي المنبثق عن الحرب العالمية الأولى والمتبلور إثر الحرب العالمية الثانية. والذي تحكمه وتسيره الفكرة الإمبريالية الاستعمارية والمادية.
وبهذا، فإن النظام الدولي الذي تصنعه الدول الفاعلة من رحم حرب عالمية نتيجة تناقض الأهداف الإستراتيجية لم يعد اليوم ممكنا بوجود الأسلحة النووية. ولذلك لا ننتظر نظاما دوليا جديدا، بل ننتظر نظاما مطورا عن القائم من خلال تفاهمات الدول الكبرى. أي “نظام تفاهمات” على مصالحها، وهذا لا يكون إلا على حساب مصالح الأضعف منها تحت الضغوطات لسقف معين، وعلى حساب الضعفاء من العالم الثالث تحت الضغوط بلا حدود.
فما ينتظرنا هو نظام تفاهمات استعماري الطبيعة لا يقوم على الأمن الجماعي لحماية الضعفاء. ودولة بحجم قوة تركيا أو إيران مثلا لا يُمكن أن تُترك ولا أن تنجح لوحدها في أن تصمد وتكون حرة بقرار وطني ولا تحقق تنمية لنفسها وقوتها ولا بقدرة للدفاع عن النفس. وباختصار أقول لا خيار لبقاء دولة حرة كريمة من خارج الدول الكبرى في المرحلة القادمة سوى خيار التحالف الواعي وأخص في هذا الدول الإسلامية غير المرضي عن وجودها من الشرق والغرب.
وفي هذا، لدى الدول الإسلامية كل المقومات للدفاع عن نفسها وعن مشاريعها الوطنية أو القومية ولا تفعل. ولديها مقومات الإمبراطورية الإسلامية التي تحفظ أمنها ومنعتها وعقيدتها ورخاءها ولتُعلم العالم القيم الإنسانية والخلقية ولا تفعل، ولها مقومات تحرير مقدساتها وتاجها الأقصى ولا تفعل. وكان البديل الطبيعي لهذا الهبل الممزوج بالخيانة هو تبعيتها وهوانها وتخلفها ومعاناة شعوبها وإرضاء القوى الخارجية إلى أن بلغ التآمر معها على مقدساتها وعلى مذابح بحق الفلسطينيين. وليس منها اليوم غير مستعدة للتفاوض على قرارها الوطني أمام القوة الغاشمة، وليس منها من ترفع سلاحها الصدئ إلا إذا غزيت والنتيجة الإستسلام. التشظي والفردية القائمة اليوم لن تسعف غداً أي دولة إسلامية لوحدها والتحالف خيارها الوحيد والطبيعي.
ختاماً، تحرير فلسطين أصبح مطلبا شعبيا عالميا، حتى وإن كان هذا المطلب ما زال بحروف مقطعة. لا حلول أمام ممثلي الكيان لبقائه، وخيارهم الإستمرار في الجريمة يعظم صراع كيانهم مع العالم ويعظم تعرية قذارة المشروع الصهيوني ونازيته وإسقاطه وهذا تماما وحرفيا ما أعلنت عنه حماس كهدف للطوفان وربما ما كان بحساب المقاومة هذا النصر العسكري الذي حققته على جيش الإحتلال. الكيان يعاني شيخوخة الموت المبكر والمهين نتيجة تحقق أهداف الطوفان الفلسطيني وثبات مقاوميه، وهذا سيفتح أمل التغيير في العالمين العربي والإسلامي. أما الطوفان والمقاومة الغزية ففيها حكمة إلهية ولدي في هذا نقطتان.
ـ الأولى: أنها ثورة شعب في سيرورة تحرير. ولم يكن طوفان الأقصى مجرد معركة معزولة عن التحرير.
ـ الثانية: إنها ثورة الشعب الفلسطيني بكليته وبالمعنى الحرفي للكلام. ثورة بقيادة حماس ولكنها وليست ثورة حماس أو أي فصيل بعينه لأن غزة القطاع وحدها التي تحتضن النزوح من كل مدن، وقرى، ومضارب فلسطين ومخيماتها. فالدماء التي ساحت قربانا لله، شهداؤها من كل فلسطين. والنار التي أطلقت نار كل الفلسطينيين.
نقلا عن رأي اليوم











