يجب على المسلمين اليوم ان يعودوا بسرعة إلى دينهم الحنيف، او بمعنى آخر، عليهم التفكير دينيا لفهم ما يجري في غزه بل في كل فلسطين، وعندها سيتبين لهم من المعجزات الربانية ما لا حد له.
والغريب والمؤسف ان أهل الكتاب من مسيحيين ويهود، عرفوا من كتبهم السماوية حساسية وخطورة المرحلة الزمنية الحالية، وبناء على تلك المعرفة، تصرفوا سياسيا وعسكريا بدافع ديني مثلما تصرفوا في القرون الوسطى عندما شنوا حروبا صليبية على المسلمين وهم غارقون يومها في الملذات والتناحر والفكر الغنوصي.
لقد أعاد التاريخ نفسه اليوم، فقد تحركت الولايات المتحدة الأمريكية وخلفها بعض دول أوروبا بدافع ديني يعرف الجميع خلفيته، للقضاء على أهل فلسطين وطردهم خارج الأوطان التي عاشوا عليها آلاف السنين، متحالفين مع لفيف اليهود الصهاينة الذين جمعهم الله في بيت المقدس كما وعد في محكم منزله: فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا/ سورة الإسراء..
واليوم واحسرتاه، يسترسل العالم الإسلامي في سباته العميق وهو ممزق وقد غلبت على أبنائه الفتنة التي حذرنا منها مرارا وتكرارا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما جاء نبي قبله الا حذر منها امته.
والغريب ان المسلم لا يعي خطورة هذه الفتنة التي تجري حاليا رغم أنه يتعوذ منها خمس مرات في اليوم حيث يقول في كل تشهد للصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من فتنة المسيح الدجال".
والغرض من هذا المقال هو فهم ما يجري في فلسطين حسب الديانات السماوية الثلاث.
ان الديانات السماوية الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، تتفق على ثلاثة أمور تحصل في اخر الزمان:
- نزول النبي عيسى عليه السلام ويسمى المسيح عند المسلمين وكذلك عند المسيحيين (le messie)، اما اليهود فلا يعترفون بأن عيسى نبيا رغم ان موسى بشرهم به، بل ينتظرون نزول نبي غيره في آخر الزمان اسمه الماشيح.
- خروج الدجال آخر الزمان ويسمى l'Antéchrist (ضد المسيح) عند المسيحيين واليهود .
- الملحمة الكبرى وهي ملحمة فاصلة ستقع آخر الزمان وتسمى عند المسيحيين واليهود معركة هرمجدون La bataille d'Armagedonn ..
لكن لكل ديانة فهم خاص ومختلف لهذه الأمور.
فمثلا الديانات السماوية الثلاث تشترك في إيمائها بـ (نزول المسيح في آخر الزمان)، غير ان كلا منها ينتظر نزوله لهدف مختلف.
فالمسلمون يؤمنون بنزول المسيح قبل قيام الساعة؛ ولكن ليؤكد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ويكسر الصليب ويحكم بين الناس بالعدل.
قال الله تبارك وتعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا./ سورة النساء.
وعن ابي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده ليوشكن ان ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد".
والمسيحيون يعتقدون ان المسيح سينزل قبل قيام الساعة فيؤمن به اليهود وينضمون للمسيحيين لخوض معركة نهائية ضد غير المسيحيين.
اما المسيح عند اليهود، وهذا مهم وينبغي التركيز عليه، فهو عبارة عن نبي مخلص ولكنه خاص باليهود، ويطلقون عليه "الماشيح" מָשִׁיחַ، وهو من نسل داود عليه السلام، سيأتي آخر الزمان ليعدل مسار التاريخ اليهودي بل البشري فينهي عذاب اليهود ويأتيهم بالخلاص، ويجمع شتات المنفيين منهم ويعود بهم إلى أرض الميعاد (فلسطين) ويحطم أعداءهم، ويتخذ أورشليم (القدس) عاصمة لهم ، ويعيد بناء الهيكل ويحكم بالشريعتين المكتوبة والشفوية (التوراة والتلمود)، ثم يبدأ بعد ذلك الفردوس الأرضي الذي سيدوم ألف عام.
هذا هو فهم اليهود لما وجدوا في كتابهم عن المسيح، وعلى ضوء هذا الفهم تأسست حركة الصهيونية بناء على أن «أرض الميعاد» (التسمية اليهودية لأرض فلسطين) قد وهبها الله لبني إسرائيل هبة أبدية لا رجعة فيها.
وقد تحركت الحركة الصهيونية التي تأسست على يد النمساوي اليهودي تيودور هرتزل في القرن التاسع عشر، واستطاعت أن تحقق أهم انجازين لها وهما وعد بلفور الذي اعطته بريطانيا للحركة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عام 1917، والثاني هو إقامة وطن قومي لليهود سمي دولة إسرائيل عام 1948، التي قامت على أرض فلسطين عن طريق القتل والتهجير والمذابح لإبعاد الفلسطينيين عن أرضهم بالقوة.
وظل هذا البرنامج ذو الخلفية الدينية المتطرفة يتواصل وتبنته القوي اليهودية في العالم ودعمته. ونحن حاليا نعيش الحلقة الأخيرة من هذا البرنامج، وتتمثل في سيطرة اليمين المتطرف في إسرائيل المتحالف مع المسيحية الصهيونية في أمريكا لاطهاد الشعب الفلسطيني وتكريس القدس عاصمة لإسرائيل، وبناء الهيكل، ثم ابادة الفلسطينيين او طردهم وتهجيرهم.
وبالنسبة للنقطة الثانية اي خروج المسيح الدجال، فساركز الحديث على الدجال وفتنته عند المسلمين فهذا أمر مهم.
إننا إذا تاملنا في الأحاديث عن فتنة المسيح الدجال نجد انها أعظم فتنة يتعرض لها العباد منذ خلق آدم.
فقد روى مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال".
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال".
وقد أنذر الأنبياء اممهم من خطورة هذه الفتنة العظيمة.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله - ثم ذكر الدجال – فقال: "إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر منه قومه" متفق عليه.
وفي الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ نَبِيٍ إلاَّ وَقَدْ أنْذَرَ أمَّتَهُ الأعْوَرَ الْكَذَّاب، ألاَ إنَّهُ أعْوَرُ، وإنَّ ربَّكُمْ عَزَّ وجلَّ لَيْسَ بأعْورَ، مكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ك ف ر" مُتَّفَقٌ عليه.
وقد يجرنا هذا التأمل الى امعان التفكير في الفتنة التي تعرضت لها البشرية في العصر الحديث خلال إفساد اليهود الثاني الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء: وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا..
وقد تمثلت المرحلة الأخيرة من هذا الافساد في نشاط منظمات يهودية سرية على رأسها الماسونية ظلت ومازالت إلى يومنا هذا تعمل على سيطرة اليهود على العالم وفرض عقيدتهم المشوهة على البشر وتنفيذ مشروع الصهيونية في إقامة دولة يهودية في فلسطين.
لقد نشطت هذه المنظمات اليهودية السرية في ظل النهضة الأوروبية.
وقد برز خلال حركة التنوير علماء وفلاسفة ماسونيين منهم على سبيل المثال لا الحصر:
- الفيلسوف فرنسيس بيكون الذي طالب بفصل الدين عن الدولة، وعن إحلال العلم التجريبي مكان الغيبيات، ودعا إلى تحرير العقول من المعتقدات الدينية المتحكمة فيها قبل البدء في اكتساب المعرفة، وهو ماسوني معروف.
- العالم والفيلسوف الماسوني جون لوك الذي كان لأفكاره الثورية ودفاعه عن الحرية الفردية والمِلكية الخاصة دور كبير في تحريك الثورات الإنجليزية والفرنسية والأميركية، والتي كانت بصمة الماسونية واضحة فيها جميعا، كما كان له تأثير كبير على العديد من الفلاسفة الفرنسيين أمثال جان جاك روسو وفولتير.
- العالم والفيلسوف إسحاق نيوتن وكان عضوا في جمعية لندن الملكية الماسونية ثم تراسها. كان يعتقد أن هيكل النبي سليمان في القدس تم تصميمه بتوجيه إلهي، كما كان يعتقد أنه لا بد أن الكتاب المقدس يحتوي على حكمة مقدسة مخفيّة وفق شفرة معقّدة إذا تم حلها سيتمكن البشر من فهم كيفية عمل الطبيعة. وينص المبدأ الرئيسي في الدستور الماسوني على أن أي ماسوني يجب أن يؤمن بوجود "كائن أسمى يُدعى المهندس العظيم للكون يمكن ادراكه بفك رموز قوانين الطبيعة".
كما ظل العلماء والفلاسفة اليهود يواكبون مسار النهضة الغربية ويضعون بصماتهم فيها، ونذكر منهم:
- الفيلسوف اسبينوزا الذي سعى للقضاء على ثنائية المادة والروح.
- عالم الأحياء داروين صاحب نظرية التطور التي تقول ان الإنسان أصله قرد نافية وجود إله خلقه من طين.
- الفيلسوف كارل ماركس الذي نشر الشيوعية المادية والالحاد وكان داعما للصهيونية،
- مؤسس نظرية التحليل النفسي فريد.
- صاحب نظرية النسبية انشتاين وكان يدعم المشروع الصهيوني.
*
وفي ظل هذا الحراك الماسوني اليهودي، انطلقت حركة التغيير في اوروبا بقوة كالسيل الجارف، وتم القضاء على سلطة الكنيسة (الكاثوليكية بالأساس).
ومع حلول القرن السابع عشر، كانت أوروبا تتغير بشكل رهيب وسريع بسبب الحركة التنويرية التى تتمحور حول الإنسان كقيمة مستقلة وحول سعادته ورشده وعقله، معتبرة أن الحقائق المادية الملموسة فقط دون غيرها، هى التى يمكن أن تسمى علما، ومن ثم يجب ان تقوم عليها نهضة أوروبا وحضارتها بعيدا عن المعرفة الدينية.
وبهذا الفكر الهدام المناهض للكنيسة، تمكنت المنظومات اليهودية السرية وعلى رأسها الماسونية، من تدمير البعد الديني والروحي والأخلاقي لدى الاوروبيين، وتم رفع شعارت جذابة لخداع الناس مثل العسل المسموم: الحرية والمساواة والإخاء.
فشعار الحرية اوصل الناس في الغرب إلى الزواج بالكلاب والرجل بالرجل والمرأة بالمرأة والرجل ببنته وانتشرت افلام الخلاعة (بورنو) والمخدرات والانتحار.
ومن جهة حطم شعار المساواة قيم المجتمع والصفات الفطرية في الإنسان واصبح يحق للأبناء سب الآباء ورفع الشكوى ضدهم.
اما شعار الإخاء فقد أنتج اخاء ماديا يقوم على المصالح، وبذلك انعدمت الاواصر الاسرية والرحم والبرور وأصبح الإبن يتخلص من والديه اذا بلغا الكبر في دور رعاية المسنين بدون رحمة واصبح الأزواج يرفضون الانجاب وبدلا من ذلك يربون الكلاب ويورثونها أموالهم.
وبهذا قامت حضارة غربية يهودية عوراء تبصر بعين واحدة هي المادة، وأما عين الروح فقد فقئت ومسحت.
إنها حضارة دجل عوراء بامتياز.!
والغريب ان شعار الماسونية هو عين واحدة في راس مثلث (الشعار موجود حاليا على الدولار فئة 1).
وبرأي الكثير من الخبراء في هذه الحركة، أن هذه العين الواحدة "التي ترى كل شيء” (حسب الماسونيين)، ترمز للشيطان الذي يفتح عيون البشر على الشرور ويحرّضهم على الله، وان وجودها على رأس هرم يرمز إلى أن الشيطان نفسه هو قائد منظّمة هرميّة تُشرف على العمل الجاري لإرساء حكمه في العالم.
هذه هي لعمري فتنة الدجال وهذا هو الدجال. ثم إن هذه المنظومة الشيطانية العوراء يعرف كل العالم انها كافرة (مكتوب ذلك على جبهتها) فهي ترفع شعار العلمانية التي لا تعترف بالدين.
وقد استخدمت هذه المنظومة اليهودية الشيطانية الدين لافساد العقول وتحقيق أهدافهاالصهيونية. فقد استغلت ظهور التيار المسيحي الاصلاحي بقيادة الراهب الالماني مارتن لوثر الذي قام بتمجيد اليهود بعدما كانوا منبوذين ومطهدين، وكتب كتابه الشهير: "ولد المسيح يهوديا". فركبت المنظومة السرية الهدامة هذا الإصلاح الديني لزرع افكار مستمدة من العهد القديم ترمي لترسيخ بعض النبوءات الدينية في نفوس المسيحيين مثل معركة "هرمجدون"، وإقناعهم بأنه من أجل نزول المسيح فلا بد من عودة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة لهم.
وقد هاجر أتباع هذه المسيحية المهوَّدة والمزورة (البروتستانت) إلى أمريكا في السنوات الأولى من اكتشافها. وفي هذه الاثناء، ولدت في أمريكا حركة بروتستانتية تعتنق مزيجا من المسيحية المزورة واليهودية المزورة، لاسيما بعد أن تم دمج التوراة والإنجيل في الكتاب المقدس.
وقد جاء بعد مارتن لوثر بحوالي ثلاثة قرون، القس الأيرلندي نيلسون داربي (1800- 1882م) وأكد على أحقية اليهود التوراتية في أرض فلسطين وقال ان عودة المسيح لن تتم الا إذا تجمع اليهود في فلسطين.
ثم جاء وليم بلاكستون بعد داربي وتبنى وجهة نظره ونشر كتابه "المسيح آت" سنة 1887م وأسس منظمة "الإرسالية العبرية من أجل إسرائيل". وقد جمع 413 توقيعا على عريضة تطالب بمنح فلسطين لليهود؛ قدمها للرئيس الأمريكي آنذاك بنيامين هاريسون.
وبذلك تولدت في نفوس قسم كبير من البروتستانت الامريكيين بتوجيه سري من الماسونية، عقيدة مسيحية صهيونية فاسدة تعمل من أجل قيام دولة يهودية في فلسطين كواجب ديني.
وهكذا نشأت أخطر حركة بالنسبة لنا نحن المسلمين، بعد هذا التهويد للمسيحية، وهي تيار المسيحية الصهيونية (الانجليين) الذي يسيطر أصحابه على القرار حاليا في أمريكا.
واصبح يمكن للامريكي غير اليهودي ان يكون صهيونيا يؤمن باقامة دولة إسرائيل على ارض فلسطين بناء على التاويلات الدينية اليهودية. يقول الرئيس الأمريكي جو بايدن: ليس بالضرورة ان تكون يهودياً لتكون صهيونياً، فبحسبه الصهيونية نوعان: صهيونية مسيحية وصهيونية يهودية.
وقد ترسخ هذا المعتقد الديني الصهيوني في المسيحيين بعد تمكن العصابات الإرهابية الصهيونية من تشريد الفلسطينيين وغصب ارضهم، وقد ترسخ اكثر بعد هزيمة يونيو 1967.
يقول الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان (عام 1980): "ربما نكون الجيل الذي سوف يرى هرمجدون"، ويقصد الملحمة الكبرى عند المسيحيين.
ويقول الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر: "إن إقامة الأمة الاسرائيلية في عام 1948 هو تحقيق للنبوءة التوراتية والتنفيذ الجوهري لها".
*
ولا بد للإشارة هنا إلى أنه إذا كانت الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال قطعية الثبوت فلا ينفي ذلك أنها ظنية الدلالة. ومن المتفق عليه عند العلماء أن أصول الدين بعضها يقيني الدلالة اي لا خلاف على فهمه وبعضها ظني الدلالة اي مختلف في تفسيره.
ويعرف أهل الأصول النصوص قطعية الدلالة أنها النصوص التي لا تحتمل سوى معنى واحدا، مثل تحريم الخمر والميسر في قوله سبحانه وتعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
فكلمة "اجتنبوه" قاطعة في تحريم الخمر والميسر.
اما النصوص ظنية الدلالة فهي النصوص التي تحتمل أكثر من معنى، مثل قوله تعالى:
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ ..إلى آخر الآية.
فكلمة قرء تحتمل معنى الحيض ومعنى الطهر.
ثم إن الكلام العربي فيه المجازي وهو الذي لا يفهم على ظاهره، مثل ما ورد عن المسافة بين أذني حمار الدجال. ففي مسند أحمد عن جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم، فله أربعون ليلة يسيحها في الأرض اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر، واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه، وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا.
ولا بد هنا من التذكير أن علم الساعة مما استأثر به الله تبارك وتعالى عنده ولم يطلع عليه ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا.
قال الله تبارك وتعالى: " يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ/الأعراف.
كما قال تعالى: " يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنْ السَّاعة قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعة تَكُونُ قَرِيبًا/الأحزاب.
ولما سأل جبريل عليه السلام رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن وقت السَّاعة – كما في حديث جبريل الطويل - قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " (متفق عليه).
وعليه فإن نزول عيسى عليه السلام وخروج الدجال والملحمة الكبرى من أمور الساعة التي لا يعلمها إلا الله.
ومع ذلك هناك إشارات ربانية تلقاها الأنبياء حول بعض الأمور المتعلقة بالساعة، فحدثوا اممهم عنها حسبما علموا مما تلقوه من الله تبارك وتعالى.
ولا بد من التذكير في هذا السياق، بما رواه البخاري ان ابا هريرة رضي الله عنه قال: "حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ".
وروى الإمام أحمد في مسنده أنه "قِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : أَكْثَرْتَ أَكْثَرْتَ ، قَالَ : فَلَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَمَيْتُمُونِي بِالْقَشْعِ ، وَلَمَا نَاظَرْتُمُونِي" والقشع هو ما يقع على وجه الأرض من المدر والحجر .
ويرى بعض أهل العلم ان الوعاء الذي لم يبثه ابو هريرة رضي الله عنه لا يتعلق بحل أو حرام، فهذا الأمر لا يحل كتمانه بوجه من الوجوه، وإنما يتعلق بالفتن وجور الحكام خاصة في زمن أبي هريرة رضي الله عنه.
ويرى بعض الباطنة الذين يقولون بوجود باطن وظاهر في الدين، أن الوعاء المخفي يتعلق بعلم الباطن.
وبرايي الشخصي أرى أن الصواب ما ذكره الإمام البخاري في فتح الباري نقلا عن بعض العلماء ان الوعاء المذكور "يحتمل أن يكون يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان ، فينكر ذلك من لم يألفه ، ويعترض عليه من لا شعور له به".
وبالنسبة للحديث الذي ثبت في سنن الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان".
وظاهر الحديث أن الدجال رجل سيخرج آخر الزمان من خراسان وهي مدينة توجد حاليا في إيران. وفي رواية للإمام أحمد: "يخرج الدجال من يهودية أصبهان يتبعه سبعون ألفا من اليهود عليهم التيجان".
وكانت توجد في مدينة أصفهان حي سكني يسمى "اليهودية" وبعد الفتح الإسلامي سكن المسلمون هذا الحي وتغيرت ساكنته وزالت تسميته منذ عصر العباسيين.
وفي رواية الإمام مسلم: "يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة. والطيلسان جمع طيلس وهي كلمة فارسية معربة معناها في اللغة العربية نوع من اللباس يوضع على العمائم. وبرايي الشخصي أظن أن الطيلسم هو القبعة التي يضعها اليهود على رؤوسهم خاصة خلال الصلاة وتسمى "الكيباه".
ويتوزع يهود إيران حاليا أساسا بين طهران، وهمدان، وأصفهان، ويبلغون حسب المصادر الرسمية الإيرانية ما بين 25 الفاً إلى 30 الف نسمة.
وتعتبر أرض إيران مهمة ومقدسة عند اليهود فهي بالنسبة لهم أرض كورش مخلصهم، وفيها ضريح مردخاي وتوفي فيها النبي دانيال وتحوي أرضها جثمان بنيامين شقيق يوسف عليه السلام. لذا يكن يهود العالم وافر التبجيل لهذه الأرض.
ويرفض قسم من يهود إيران العودة إلى فلسطين رغم ضغوط الصهاينة وفاق حبهم لإيران حبهم لأورشليم.
والملفت بالنسبة لي ان الرئيس السابق الاسرائيلي موشيه كاتساف من يهود اصفهان وكذلك وزير الدفاع الاسرائيلي السابق شاؤول موفاز.
وليهود ايران اليوم نفوذ قوي في السلك العسكري الإسرائيلي ويبلغ عددهم في اسرائيل مائة واربعين الف نسمة ويشكلون نسبة 3.5% من سكانها.
وبرايي الشخصي، ربما تكون في الحديث الشريف إشارة لفتنة اليهودي أبي عيسـى الأصفهـاني، الذي ادعى أنه المسيح المنتظر. وحسبما ورد عند أغلب المؤرخين أنه ولد في أصفهان وعاش بها في الفترة بين حكم الخليفة الأموي مروان بن محمد (744 ـ 750) والخليفة العباسي المنصور (754 ـ 775). وفي عام 755، أعلن أنه الماشيَّح (المسيح عند اليهود) الذي سيحرِّر اليهود من الأغيار. وقاد بهذه الصفة، ثورة ضد الحكم العباسي وانضم له العديد من يهود فارس، لكن هذا التمرد تم إخماده بعد عدة سنوات وقُتل أبو عيسى.
وبالنسبة لحديث تميم الداري في قصة الجساسة فهو حديث صحيح متفق عليه عند جمهور العلماء من حيث الإسناد، ولكن هناك خلاف بين العلماء حول قطعية ثبوت متنه. فبعض العلماء، ومنهم الشيخ ابن عثيمين، يرى أن سياق حديث الجساسة به "نَكَارة" ويخالف ما ورد في صفة الدجال في الصحيحين، مما يجعلهم لا يطمئنون إلى صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فبالنسبة لهؤلاء العلماء يتعارض حديث الجساسة لما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام، فقال: «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا، لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ».
وبحسب حديث تميم الداري سيبقى الدجال بعد هذه المدة حتى يخرج، فيكون معارضًا لهذا الحديث الثابت في الصحيحين.
حتى ان بعض أهل العلم وجد غرابة في إسناده بسبب عدم تخريج البخاري للحديث في صحيحه.
وكذلك قال بعضهم ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقر بشكل صريح تميمًا الداري رضي الله عنه على ما قاله.
وبالمناسبة اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا كثيرا هل هو الدجال ؟
وقد احتج من نفى أنه الدجال بحديث تميم الداري هذا حيث أن الدجال الذي ذكر ليس إبن صياد.
وقد قال العلماء ان الظاهر من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في موضوع إبن صياد، أنه لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه ويقصد إبن صياد: إن يكن هو فلن تستطيع قتله.
*
لست مؤهلا للخوض في موضوع الدجال، وهو متروك للعلماء وللزمن للبت فيه. ولكنني أتساءل هنا: هل الفتنة الخطيرة التي حذرنا منها الحبيب المصطفى وحذر كل الأنبياء منها اممهم، ستكون على يد رجل يهودي اعور مكشوف أمره للناس حيث أن جبهته مكتوب عليها "كافر"..؟
ام أن الفتنة العظيمة المقصودة هي هذه الفتنة التي تعرضت لها البشرية جمعاء منذ قرون بسبب الحضارة الغربية الماسونية العوراء وتمثلت في تدمير المعتقدات الدينية والأخلاق والقيم والنواميس البشرية وتغيير فطرة المخلوقات.
هذه الفتنة التي جعلت المادة هي كل شيء وجعلت المال معبودا او يكاد من طرف البشر، والتي جعلت كل شيء مباحا.
هذه الفتنة التي انطلقت مع قيام الحضارة اليهودية الغربية العوراء والتي لا ترى الا بعين واحدة: عين المادة.
والغريب والملفت للنظر ان العين الواحدة التي اتخذتها الماسونية شعارا لها، والتي يجمع المتخصصون من خارج هذه المنظمة السرية، أنها عين الشيطان.
هذه الحضارة اليهودية الشيطانية التي يسر الله لها وسائل تشبه المعجزات كالطائرات والتلفزيون والهواتف والصواريخ والكهرباء والأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل والأقمار الصناعية وعدد هائل من الآلات والمخترعات في كل مجال، كان وجودها عند البشر ضربا من الخيال.
جعل هذا الأمر البشر مبهورين بهذه الحضارة العوراء فتبعوها بشكل أعمى في اطروحاتها الفكرية والدينية والسياسية والإنسانية، وقد كبلتهم في نفس الوقت بمنظماتها الدولية كالامم المتحدة والبنك الدولي والنقد الدولي والتجارة الدولية واللائحة طويلة.
وأصبح كثير من سكان المعمورة، خاصة من فئة الشباب، يجدون في هذه الحضارة حلم الحياة بالنسبة لهم. وتصور بعضهم ان مهد هذه الحضارة، وهو الدول الغربية، الجنة على الأرض، وماتوا في الصحاري والبحار من أجل الوصول إليها.
وبالنسبة لمن يمعنون النظر في هذه الحضارة العوراء، يجدون فيها الفساد الأخلاقي في اشنع صوره، وتدمير الدين والقيم، وتحويل الإنسان إلى آلة تافهة، او حيوان ناطق يعبد المال، او بعبارة اخرى شخص غريق في بحر الملذات والطاغوت.
لذلك صدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال، فيما رواه مسلم في صحيحه: " معه (أي الدجال) جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار ".
وفي صحيحي البخاري ومسلم عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: " إن معه ماء ونارا، فناره ماء بارد، وماؤه نار ".
وبالنسبة لنا نحن المسلمين تعرضنا لخلاصة هذا الشر الهائل وزبدته والهدف الشيطاني الذي يسعى إليه، وذلك عندما قام الكيان الصهيوني باحتلال فلسطين بدعم من الغرب المسيحي.
وقد اشتدت هذه الفتنة مع قيام المسيحية اليهودية او تيار الانجيليين الذي يقود حاليا أمريكا بتنفيذ المخططات الصهيونية ووصل الأمر إلى تنفيذ إبادة جماعية في مدينة غزه لم يسبق لها مثيل في التاريخ البشري ظلما وعدوانا وعلى مراى من العالم الذي بدأ شيئا فشيئا يكتشف شيطانية هذه الحضارة القبيحة العوراء وزيف شعاراتها.
*
يختلف الدجال عند المسيحيين عن الدجال عند المسلمين على الرغم من التشابه السطحي بين المفهومين.
فعند المسيحية، المسيح الدجال هو كيان يقاوم المسيح ويخدع الناس،
يظهر في آخر الزمان، ويحاول إغواء الناس وقيادتهم للانحراف عن الإيمان بالمسيح. وقد جاء ذكره في رسائل يوحنا الأولى والثانية في العهد الجديد، ويحمل إسم "ضد المسيح" (antichrist).
أما اليهود فيعتقدون أنهم ينتظرون المسيح المخلِّص (الماشيح)، ولكن لا يوجد عندهم مفهوم جامع لشخصية الدجال، حيث يتم الخلط بين مفهوم المسيح المخلِّص ومسيح الضلالة، وهناك منهم من يرى أن الدجال هو المسيح اليهودي الذي سينقذهم في نهاية الزمان، ومنهم من ينسبه إلى السامري بينما يقول البعض إنه ابن الله.
*
لا بد في الختام المقال، من الحديث عن المعركة الاخيرة الفاصلة بين الحق والباطل في آخر الزمان.
وقد وردت في هذه المعركة او الملحمة الكبرى أحاديث كثيرة،
ومنها الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا، والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم، أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبدا، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشأم خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته".
وبرايي قد يكون الحديث يشير إلى المعارك التي وقعت بين المسلمين والمسيحيين (الروم) في الشام خلال خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وإلى فتح القسطنطينية الذي تم بعد انتصار المُسلمين ودخولهم المدينة بقيادة السلطان العُثماني مُحمَّد الثاني سنة 1453م.
وبرايي الشخصي أن الملحمة الكبرى هي المقصودة بقوله تعالى:
وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا * فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا * ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا * إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا/ سورة الإسراء.
وهي التي أشار إليها الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل عن النبي صلى الله: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".
ولم يعد يخفى على احد اليوم أن الطائفة المذكورة في هذا الحديث هي المقاومة الإسلامية في غزة.
وقد جمع الله اليهود اليوم في فلسطين بعدما كانوا شتاتا في العالم، وذلك بالضبط ما وعد به سيحانه وتعالى في الآية 104 من سورة الإسراء: فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا.
ووالله ان لفي هذه السورة الكريمة معجزة ربانية عظيمة.
فهذه السورة نزلت في مكة بالاتفاق، في السنة الحادية عشرة من البعثة، قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بسنة وشهرين. ولم يكن لليهود شأن مهم عند نزولها، ووجودهم كان أساسا في المدينة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر إليها ولم يكن قد احتك بهم بعد.
وكان اليهود يومها مجرد شعب قليل مشتت بين دول العالم ذليل مضطهد.
وكانت القوة العالمية في ذلك الوقت تتمثل في دولة الفرس ودولة الروم، ورغم هذا ركز القرآن الكريم على اليهود، وقد تتضمن قسم كبير منه أخبارهم دون غيرهم من شعوب الأرض.
وهذا من إعجاز القرآن، حيث أن اليهود الذين يتحكمون حاليا في العالم، ظلوا وسيظلون هم محور الكون.
ففي البداية اصطفاهم الله لعبادته وجعل منهم أغلب الأنبياء والرسل وأخذ منهم المواثيق المغلظة لتوحيده ونشر دينه وخلافته في الأرض. ولكنهم نقضوا تلك العهود وقتلوا الرسل وحرفوا كلام الله وافسدوا في الأرض فغضب عليهم وجعلهم اذلاء، وصاروا محور الشر إلى يومنا هذا.
وقد أعطى الله في سورة الإسراء وعدين لليهود ولن يخلف الله وعده: الأول أنه سيرسل الله عليهم عبادا له ذوي بأس شديد لعقابهم على إفسادهم، وقد حدث هذا برأيي يوم 7 أكتوبر 2023.
والوعد الثاني سيكون بإذن الله هو الملحمة الكبرى التي سينتصر فيها المسلمون بقيادة عيسى عليه السلام وسيدخلون المسجد الأقصى كما دخولوه في المرة الاولى في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
يقول الله تبارك وتعالى: "فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا.
والتتبير هو التدمير، والواو في كلمة "ليسؤوا" عائد على المسلمين، وعبارة "ليتبروا ما علوا تتبيرا" دلالتها اعجازية تماما، فاسرائل تعتمد حاليا في حروبها على قوة الطيران المتطور، والاية الكريمة تشير إلى أن المسلمين سيتمكنون من تدمير الطائرات في الجو بوسيلة لا يعلمها إلا الله.
*
تعرف المعركة الفاصلة في آخر الزمان عند المسيحيين بإسم "هيرمجدون"، وهو سهل في فلسطين يقع بين الخليل والضفة الغربية ويضم اليوم بلدة تدعى مجدون.
يقول علماء الدين المسيحي إنه حين يأذن الله بنهاية الدنيا يكون اليهود قد تجمعوا في فلسطين فينزل بينهم المسيح ليهديهم للنصرانية وعندها ستزحف جيوش (الكفار) لذبح اليهود فيهب النصارى لنجدتهم فتقع معركة عظيمة بقيادة المسيح في سهل هيرمجدون.
ووقوع هذه المعركة امر صدق به مشاهير وعظماء مسيحيون مثل نابليون (الذي زار بنفسه سهل هرمجدون) وعالم الفيزياء نيوتن(الذي تنبأ بوقوعها بعد 57عاماً) ناهيك عن الفاتيكان وملوك اوروبا في العصور الوسطى.
والغريب ان الايمان بحتمية هذه المعركة ينتشر حالياً في الغرب خاصة في أمريكا بنسبة اكبر من الماضي، بسبب وقوع احداث في فلسطين منذ 1948 تتطابق مع النبوءات التي وردت في الكتاب المقدس (كجمع الله اليهود في فلسطين بعد شتاتهم، وقيام دولتهم فيها، واستلائهم على مدينة القدس).
وقد اعتبرت الكنائس في الغرب استيلاء اليهود على القدس عام 1967 "بشارة" لم يتصوروا ظهورها في عصرهم.
وقد سئل الرئيس الامريكي السابق رونالد ريجان عن مدى ايمانه بمعركة هرمجدون فقال: "اذا راجعنا الواقع سنكتشف ان جميع الاحداث التي تسبق هرمجدون قد مرت وشاهدناها بانفسنا، واذا بدأنا منذ قيام اسرائيل وحتى اليوم نجد ان كل شيء سار باتجاهه الصحيح تمهيداً لعودة المسيح وحدوث المعركة".
هذه النقطة بالضبط تكفي لفهم دعم أمريكا لإسرائيل ومشاركتها في الابادة الجماعية التي تقع حاليا في غزة.
فالمسيحية الصهيونية او تيار الانجيليين تولدت لديه اليوم قناعة تامة بان معركة هرمجدون أصبحت على الأبواب. وهذا التيار الصهيوني الذي يتحكم حاليا في القرار في أمريكا والمتحالف مع اللوبي اليهودي في أمريكا واليمين المتطرف في إسرائيل يسعى جاهدا لتوفير الشروط المطلوبة لنزول المسيح حسبما توصلوا إليه بفهمهم لبعض النبؤات في الكتاب المقدس. وهذه الشروط بزعمهم هي سيطرة اليهود على القدس كعاصمة لهم وبناء الهيكل وقبل ذلك إخلاء فلسطين من المسلمين قتلا وتهجيرا، وبعدها ينزل عيسى إلى الأرض.
ونتيجة للتحالف الشيطاني بين الانجيليين والصهاينة، تكونت أقوى قوة انتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعملت جاهدة لإيصال دونالد ترامب إلى الرئاسة، بعدما رأوا فيه بشارة بأنه سيقوم بتوفير الشروط المذكورة كواجب ديني وكالتزام انتخابي موثق.
وبالتالي فان دعم أمريكا لإسرائيل على المستوى العسكري والمالي والدبلوماسي، للقيام بجرائمها الإنسانية، يدخل في إطار عقيدتهم المسيحية الصهيونية.
ويعتبرون نزول عيسى وقيادته للمسيحيين في معركة هرمجدون اهم عندهم من الدنيا وما فيها ومسألة وقت قصير.
ولا يخفي الرئيس الأمريكي ولا نائبه ولا وزراؤه ولا أغلبية النواب هذه النية الشيطانية ويعتبرون دعم الكيان الصهيوني واجبا دينيا.
وقد بلغ وزير الخارجية اليهودي بلينكن من الوقاحة أن صرح بأنه " يهودي قبل ان يكون وزير خارجية أمريكا".
ونشر وزير الدفاع بيت هيغسيث صورة له وقد كشف عن وشم على ذراعه يحمل كلمة كافر باللغة العربية وأسفلها عبارة "Deus Vult" والتي تعني باللاتينية"إرادة الإله"، التي كانت تُستخدم كشعار أو هتاف من قِبل المسيحيين خلال الحرب الصليبية.
*
لقد تحققت الآن علامات نزول عيسى ووقوع الملحمة الكبرى أو معركة هرمجدون، المعركة الأخيرة بين الحق والباطل، وذلك باتفاق أصحاب الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية.
واليوم بدأت طبول الحرب تدق في المنطقة.
فامريكا وإسرائيل مصرتان على مواصلة حرب الإبادة والتنكيل في فلسطين، والمقاومة الإسلامية بقدرة الواحد القهار تواصل القتال في غزة.
والعالم بدأ يقتنع بإجرام إسرائيل والمسيحية الصهيونية وانكشفت أمامه عورة الحضارة اليهودية الشيطانية العوراء وزيف شعاراتها.
والدول الإسلامية بدأت تفهم خلفية ما يجري في المنطقة وابعاده بعد الذي قامت به إسرائيل من إبادة لأهل غزة واعتداءاتها المتكررة على الدول العربية الإسلامية وكان أكثرها تعبيرا عن خطورة الظرفية الراهنة، العدوان الاسرائيلي على قطر.
وثمة مؤشرات على تحالف عسكري باكستاني سعودي ومصري تركي.
وفي الحرب الاوكرانية والتوتر بين أمريكا والصين وبين أمريكا وإيران وبين الهند وباكستان والاختلال الخطير في وظيفة مجلس الأمن الدولي، مؤشرات على اندلاع حرب عالمية رهيبة.
وتتحدث النبؤات في الديانات السماوية الثلاث عن مواجهة طاحنة بين الخير والشر تقع في الشرق الأوسط، ولا يستبعد رجال الدين المسيحيون واليهود حصول حرب نووية في المنطقة وهذا هو سر خوفهم من البرنامج النووي الإيراني.
*
ساختم المقال بالآيات العشر الأولى من سورة الكهف تبركا وتحرزا من فتنة المسيح الدجال .
علينا أن نستلهم المعاني العظيمة في هذه السورة لنتسلح بالإيمان الضروري لمواجهة فتنة الدجال ومن ذلك: ضرورة العودة لديننا (قصة اصحاب الكهف)، ولا ينبغي للمال ان يشغلنا عن الله تبارك وتعالى(قصة الرجلين)، ويجب أن نجعل مصدر المعرفة ما جاء به الرسول من عند الله مسلِّمين به (قصة موسى والعبد الصالح)، ويجب أن نعلم أن السلطان بالله ومن الله ولله (قصة ذي القرنين)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
بسم ألله الرحمن الرحيم.
ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ * قَيِّمٗا لِّيُنذِرَ بَأۡسٗا شَدِيدٗا مِّن لَّدُنۡهُ وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا * مَّٰكِثِينَ فِيهِ أَبَدٗا * وَيُنذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗا * مَّا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٖ وَلَا لِأٓبَآئِهِمۡۚ كَبُرَتۡ كَلِمَةٗ تَخۡرُجُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبٗا * فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا * إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَةٗ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗا * وَإِنَّا لَجَٰعِلُونَ مَا عَلَيۡهَا صَعِيدٗا جُرُزًا * أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنۡ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا * إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا .
*
وأخيرا يجب علينا أن نبايع الله معا على عبادته وانه لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم مستلهمين المعاني العظيمة في الآيات العشر الأواخر من هذه السورة الكريمة:
بسم ألله الرحمن الرحيم.
أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيٓ أَوۡلِيَآءَۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ نُزُلٗا * قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا* أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَلَا نُقِيمُ لَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَزۡنٗا * ذَٰلِكَ جَزَآؤُهُمۡ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي وَرُسُلِي هُزُوًا * إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَانَتۡ لَهُمۡ جَنَّٰتُ ٱلۡفِرۡدَوۡسِ نُزُلًا * خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يَبۡغُونَ عَنۡهَا حِوَلٗا* قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا * قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا.
صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.











