“ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع” قول مفهومه أن العائلة وبيتها الذي يأويها وحاجاتها أحق بالرعاية والحماية كأولوية لراعيها. أما البيت بالمفهوم السياسي فهو الدولة بمكوناتها الثلاثة من أرض وشعب وسلطة. هذه القاعدة بصرف النظر عن التقائها مع المفهوم الإسلامي أم لا، فإن الدول الإسلامية تطبقها كغيرها من الدول بمختلف الميادين بما فيه مع فلسطين وقضيتها واحتلال الأقصى، منذ نشأة الصراع في عشرينيات القرن الماضي وإلى اليوم. وعلى خلفية هذه القاعدة تأتي مشروعية تقاطع المصالح. الدول العربية تطبق هذه القاعدة دون أن تنطبق عليهم كقوميه واحدة ووطن تاريخي واحد ولغة وثقافة واحدة. فهم أصحاب دولة واحدة لم يجر تقسيمها عبر العصور لأكثر من تقسيم إداري بما فيها حُقب العصر الإسلامي وحقب الإستعمار. إلى أن وصلنا إلى سايكوسبيكو الإستعماري المفروض ولا يُعتد به مهما ترسخ.
وهذا ينقلنا إلى الإقليم ومردود أطرافه علينا. فالوطن العربي الأسيوي الذي يقع في إقليم إسلامي، انتقل إثر الحرب العالمية الأولى من إستعمار الى استعمار جديد جزّأه الى دول بحدود سياسية وبيارق، واقتطعت منه فلسطين ليهود الخزر الصهاينة وأصبحت تعرف باسم “دولة إسرائيل”. ثم أصبحت بدعم ومشاركة أمريكا دولة إقليمية توسعية تتخطى المنطقة العربية الأسيوية التي إن أضفنا لها مصر تكون هي الشرق الأوسط جغرافياً. وفي هذا الجو برزت بعد مخاض سياسي واع تركيا وايران كدولتين اقليميتين في تنافس أو مواجهة مع “إسرائيل” كل بطريقتها على قاعدة،،جلب المنافع أو درء المفاسد،، كعبارة مطاطية الفهم لمن يشاء. تجعلنا أمام مشاريع ثلاثة في الإقليم متصادمة ومسرحها دول المنطقة العربية الأسيوية كونها تحولت لجثة تاركة فراغا سياسيا وسياديا.
الجو الذي يدير فيه العدو الصراع. فبينما الأصل هو أن تُشكل الدولتان تحالفا ثنائيا في الإقليم أمام التحالف الثنائي الأمرواسرائيلي الغازي، دخلتا في صراع منافسة بينية ناعمة على ذات القاعدة واضحاً كالشمس التي لا يغطيها غربال. والدليل هو أنهما سبق وتحالفتا وتعاونتا عندما تقاطعت مصالحهما في إفشال قيام دولة كردية في شمال العراق، بينما لم تتقاطع مصالحهما على الأقصى. وكأن خطر الدولة الكردية عليهما أشد من خطر احتلال الأقصى.
أطماع دولة مجاورة بأراضي جيرانها عندما يستشري الضعف فيها والفساد السياسي وتصبح جثة، ليس مُستغرباً. فالدولتان تحتلان أراض عربية واسعة بحجم محافظات ودول، واللعاب ما زال يسيل في أقسى الظروف العربية، فتركيا التي شاركت الثنائي المستعمر في غزو سورية مؤخراً ما زالت وعلى لسان رسميين فيها تدعي بتركية مناطق عربية سورية في الشمال، وشهدنا احتفال مجلس الأمة التركي برفع العلم التركي على حلب مدعين بتحريرها بينما وجود حلب بعروبتها ضارب في التاريخ الى حقب لم تكن فيها تركيا موجودة كدولة. وطالما تكلم رئيسها بالخلافة التي لا تعني سوى التهام الوطن العربي باسم الدين. وإيران وقبل سنوات يصرح مستشار المرشد بأن بغداد هي عاصمة بلاد فارس، وتهتز فرائسها إن قيل الخليج العربي وليس الفارسي وترفض حلاً وسطاً بتسميته الخليج الإسلامي.
هنا لا بد من التذكير بأن تركيا التي يخلو تاريخا مع العرب من أية فضيلة ولو واحدة، لم تبن حداثة سياستها الخارجية باستراتيجية ثورة سياسية فكرية للتخلص من التبعية للغرب، ولا بفك ارتباطها بأمريكا وبالكيان المحتل، بل بنت استراتيجيتها على الوقوف في المنطقة الرمادية الباهتة والإبقاء بإصرار على علاقتها مع الكيان عمليا والتنسيق مع القوة الغاشمة وعملائها من أنظمة الخيانة متخذة سياسة التقية في ثوب الإسلام السياسي. والتي أغبطها على تميزها بسياستها الداخلية من نماء وعدالة مجتمعية وحرية لإنسانها أتمناها لبلادنا. بينما حداثة السياسة الإيرانية قامت على ثورة ابتدأت بمواجهة الثنائي الأمرو اسرائيلي مباشرة ودعم القضية الفلسطينية بعمل سبق القول، وبنت ثلاث قواعد مقاومة مستعينة بالإنتماء الطائفي ولا ضير في هذا فلعله رد عظيمً على إحاطة العدو الثنائي لها بقواعد عسكرية عدوانية في الدول العربية المجاورة لها، أنظمتها ركائب من الخنازير تنخر في الجسمين العربي والإسلامي
في مثل هذا المناخ من النوايا يدير الغزاة الصهاينة صراعهم في الإقليم الذي فيه العرب جثة. لكن المواطنين العرب يدركون بحسهم تماما بأن تناقضهم الأساسي والوجودي هو الكيان الصهيوني واحتلاله لفلسطين ومشروعه باحتلال بقية أقطار الشرق العربي، والذي انتقل من استخدام الإسلام إلى هدمه علناً بحوافر خنازير العرب. ويدركون بأن عدوهم هو كل من يعترف بهذا الكيان أو يتعاون معه.
نقلا عن رأي اليوم
محصلة اللحظة
وفي النزال الأخير وليد طوفان الأقصى، ظهرت تركيا بقوة إعلامية تنذر بقلب الطاولة على كيان الإحتلال وتعظمت الآمال، لكن هذا كان سراباً وخداعاً لم يطاول قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان حتى بظروف الإبادة الجماعية في غزة. لعله خداع ينتظر النتائج وربما ينتظر التخلص من أحد الطرفين الأخرين. بينما كانت إيران حاضرة في إطار محور المقاومة وحدث ما يعرفه الجميع بسبب نكسة حزب الله. إلا أن النزال ما زال مستمراً بفضل صمود المقاومة الفلسطينية واليمن الذي يبكينا بدموع يقذفها من شواظ على الكيان بخزانة لا تكفي لقوت أطفالها. وإيران ما زالت صامدة وبخير وحزب الله يتعافى. لكن الأهم من كل هذا هو أن طوفان الأقصى تحول إلى طوفان العالم كله وحقق نتائج قد تساوي نتائج حرب عالمية نظيفة، نأمل أن لا تتحول لنووية.
زبدة الكلام
لا ننظر لدموع أي دولة اسلامية أو عربية ولا لهويتها الدينية والمذهبية والقومية، لتذهب للجحيم. فليس أعظم بشاعة ووضوحا مما يجري ويتصاعد في الضفة وعزة من سنتين. بل ننظر لفعلها على الأرض، ونُشكك وندين النوايا الحسنة ما لم تترجم لعمل. الأضحيات والتضحيات لمن يقطف ثمارها. قصة المقال ليست تحت عنوان يلبسها، ولا للمحاسبة أو مقارنة إيران بأية دولة في العالم. لكن الحلف الصهيوني بكل أطرافه يريدون بالقوة الغاشمة الانقلاب على نتائج طوفان الأقصى الذي تحول الى طوفان العالم، وهذا تعزز وتكرس بعجزهم عن إخضاع غزة ومقاومتها.
الشواهد اليوم تنطق بأنهم مقبلون على حرب أشبه بالعالمية على إيران لمحو عالمية طوفان الأقصى ونتائجه القاتلة لهم، بفعل جلل. وإن كانت فعلتهم بالعراق أدت لإخضاع أنظمة العرب، فإنهم بتخطيطهم لتكرارها في إيران ونجاحهم، سيخضعون كل العالم ويُصفون القضية الفلسطينية ويسود الكيان على كامل الإقليم. لا يريدون لإيران أن تكون سابقة دولية أو اسلامية في مواجهة الطاغوت. مثل هذه الحرب قد لا يخطط لتنفيذها قبل إخضاع غزة والتخلص من خطرها ومن فشلهم الفاضح والمعيق. فخروجهم منها فاشلين لا يؤهلهم للإنتقال لجبهة أخرى بل سيعرضهم للمحاكمة على جرائم الإبادة الجماعية ويحملهم كل مسؤولية سياسية ومادية وأخلاقية، وللسقوط.
ماذا عسانا كشعوب إسلامية وعربية فاعلين ونحن منحطين لمنحطين، سؤال لا يبدو منطقياً، ونترقب جوابه من دول الشرق الكبرى والعظمى فهي مشمولة بالحدث ومعنية بنتائجه. فهل تبدأ بالوقوف مع غزة ومقاومتها أو تقعد تنتظر الحرب تأتيها.
كاتب عربي اردني











