حاولنا في المقال السابق ، وكذا الحلقة الثالثة من برنامج “إقتصاد × سياسة” مقاربة مخارج و سبل الخروج من دورة الغثائية و نفق المديونية المظلم ورهن مقدرات الأوطان و مستقبلها ، و في هذا المقال الذي هو ملخص لأهم محاور الحلقة الرابعة ، نبدأ من حيث انتهينا في أخر حلقة حتى يعلم الخاص والعام أن هناك أكثر من خيار لإخراج البلد من فشلها التنموي المزمن عدا المديونية وعدا بيع أوهام المونديال لتسكين آلام المغرب العميق ..
معضلة الملايو
و في تحليلي سأرحل بالقارئ و المشاهد الكريم بإتجاه ماليزيا و معضلة الملايو ، كما شخصها حكيم التنمية و باني نهضة ماليزيا الدكتور محمد مهاتير صورة ، فقبل توليه السلطة بنحو 11 عاما ألف مهاتير محمد كتابه الأول “معضلة الملايو” ، بعد إقصائه من المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة، و طرح في الكتاب رؤيته لمجتمع الملايو… يناقش الكتاب ضرورة إيجاد توازن بين الدعم الحكومي للملايو وتجنب هيمنة الصينيين على الاقتصاد، مع ضمان تعرض الملايو لمنافسة كافية.. وانتقد فيه بشدة شعب الملايو واتهمهم بالكسل والرضا بأن تستمر بلادهم دولة زراعية متخلفة دون محاولة تطويرها، فقرر الحزب الحاكم حينها والذي يحمل اسم “منظمة الملايو القومية المتحدة” منع الكتاب من التداول رسميا نظرا للآراء العنيفة التي تضمنها…
و صفة ناجعة
لكن هذا الإنتقاد والمكاشفة جعل الشعب الماليزي يغير سلوكه، و أصبح مهاتير رمز للدولة و أب للشعب بكل أطيافه، وإستمر في السلطة نحو 22 سنة، إذ تولى رئاسة الوزراء منذ (1981- 2003)، و إنسحب من السلطة وهو في أوج عطاءه. وقد نجح في نقل ماليزيا من دولة زراعية “مهملة” تعتمد على زراعة الموز والمطاط إلى مصاف الدول الصناعية المتقدمة، وعندما تفشى الفساد في البلاد قررت جموع المواطنين الإحتجاج أمام بيت مهاتير لتخرجه من تقاعده السياسي وهو في سن 93 سنة، تعيده لحكم مجددا بعد فوز ائتلافه المعارض في الانتخابات البرلمانية، ليصبح أكبر سياسي منتخب في العالم.. إن النجاح الاقتصادي لا يعتمد فقط على الموارد الطبيعية، بل على استثمار القوى البشرية وتوفير بيئة داعمة للابتكار وريادة الأعمال. بهذا النموذج يمكننا الخروج من دورة الأزمات و السنوات العجاف ..
معضلة الشعوب
أيها القارئ و المشاهد الكريم ، لا تعتقد أن إستحضاري للتجربة الماليزية في هذه الحلقة مجرد ترف فكري و خروج عن النص و هروب من واقع بلداننا العربية ، بل إن هذا الحديث يندرج في صميم معالجتنا لأسباب و عوامل الفشل النموذج التنموي في بلداننا ، فصمت الشعوب العربية على الرغم من شيوع الفساد و الاستبداد و الظلم و القهر الإقتصادي، يدعونا حقيقة إلى ضرورة تحليل سيكولوجية الشعوب كما حللها الحكيم مهاتير ، و لماذا شعوبنا العربية متعاطفة مع الفساد و متسامحة جدا مع المفسدين؟ لماذا عندما يرغب المرء في إصلاح صنبور في بيته أو مصباح كهربائي صورة صنبور و مصباح يبحث عن أفضل الصناع و الحرفيين ؟ و حينما يتعلق الأمر بإدارة مستقبله و مستقبل أبناءه و أحفاده يختار الأقل كفاءة و أمانة و دراية؟
أسئلة لم أجد لها إجابة أو بالأحرى ستحرجني إجاباتها المؤلمة كما ستحرجكم لكن الأهم أن تخرجني وتخرجكم من عنق الزجاجة و دورة الفشل المفرغة..
و أنا أحلل واقع اغلب البلدان العربية تحضرني مقولة لجورج أورويل: ” الشعب الذي ينتخب الفاسدين و الإنتهازيين و المحتالين و النهابين و الخونة لا يعتبر ضحية بل شريكا في الجريمة” .. ..لماذا أستحضرنا مقولة أورويل ؟!
8 شتنبر 2021
نحن اليوم في شهر غشت 2025 ، بمعنى مرور أربع سنوات عن انتخابات 8 شتنبر 2021 التي أفرزت حكومة عزيز المديونية و حكومة البزنس ، لست في حاجة لجرد المؤشرات الكمية و النوعية لتدليل على فشل التدبير الحكومي لدورة الأزمات التي شهدتها البلاد طيلة الفترة الماضية، لكن مع ذلك فإن السيد رئيس الحكومة صورة أخنوش في البرلمان المحترم له رأي مخالف تماما، و يرى ان ما حققته حكومته لم تستطع حكومات أخرى تحقيقه في 10 سنوات ويبدو أنه خجل أن يقول خمسين أو مئة سنة ..
عزيز المديونية
وبصدق فالرجل محق في ما يقول فلم يشهد المغرب طيلة ثلاث عقود و نيف مثل هذا الإرتفاع الصاروخي في معدلات الفقر و التضخم و سوء توزيع الثروة الوطنية ، و إفلاس الشركات، و تزايد وثيرة السخط الشعبي الذي ينذر لا محالة بثورة جياع ، و هذا ما نخشاه حقا و نأمل تفاديه بتبني سياسات ناجعة و فعالة ، و نحن ننتقد أداء الحكومة و سياساتها العمومية الغير فعالة ، لا نلغي و لا ننكر أن قطاع واسع من الشعب يتحمل المسؤولية حتى نحن الذين قررنا المقاطعة في انتخابات 8 شتنبر، أو إخترنا الصمت و الحياد السلبي بل و الدخول في حالة كمون شتوي .. في زمن السقوط، لا تجدي الشعارات و لا تنفع الأقنعة، كرة الثلج تكبر و دائرة الأزمة تتوسع و رقعة اللهب تتمد ، عزيز أخنوش، الذي طُبل له كـ”رجل المرحلة” و الذي ستكثر في عهده الأرزاق و الأموال و الفرص صورة الفلوس تتطاير ، لم يكن سوى واجهة لمشروع ينشر الفقر و الجوع و الضنك، بل يستحق عن جدارة لقب عزيز المديونية..
جلد البسطاء
جدير بنا ألا نفرط في جلد البسطاء من المواطنين الذين يعيشون عيشة الذبانة ف البطانة وإن جنحت به الأيام الى بيع اصواتهم كرها للكائنات الانتخابية او تقبيل اياديهم طلبا للمساعدة في تجاوز المضائق المالية والازمات الصحية.. صحيح اننا كلنا مسؤولون لكن مسؤولية من أوتي الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والمغرب الاخضر والازرق والأصفر و الأحمر بل و كل ألوان الدنيا مسؤولية أكبر وأكبر بكثير..
طوفان التضريب
و أهم خطر يتهدد مستقبل البلاد و اقتصادها المتأزم أصلا، طوفان الضريبة و استهداف جيوب المغاربة بكثرة الضرائب و الجبايات بلغة ابن خلدون و قد نبهنا رحمه الله لخطر كثرة الجبايات فقال في مقدمته الشهيرة ” إذا كثرت الجباية أشرفت الدولة على النهاية”..و سنقوم بنوع من التحديث أو الميزاجور بلغة الثورة الرقمية ، إذا كثرت الجباية أشرفت حكومة الباطرونا و الأوليغراشية المالية على النهاية ..و سأشرح لكم أسباب هذا الربط و العلاقة السببية بين الجباية و النهاية ؟ في الحلقة الرابعة من برنامجكم “إقتصاد×سياسة” و سيتم بثها كاملة يوم الخميس القادم 21-08-2025 على الساعة 20.00 مساءا بتوقيت المغرب و الساعة 19.00 بتوقيت غرينتش و 22.00 مساءا بتوقيت القدس الشريف ، على منصة اليوتيوب، وستجدون في الحلقة تفاصيل جديدة وحصرية و مثيرة ..
رأي اليوم
هذا البرنامج فكرته ولدت من جريدة رأي اليوم العابرة للحدود ، و كذلك برنامجنا و مشروعنا الفكري عابر للحدود و حامل لهم النهوض الحضاري و الخروج من دور الغثائية ، و في قلب اهتمامنا غزة الجريحة ، اشتركوا في القناة وفعلوا الجرس ليصلكم كل جديد ولا تبخلوا بالمشاركة والتعليق وتقديم الاقتراحات حول المواضيع والقضايا التي ينبغي لنا معالجتها في القادم من الحلقات..تحية لغزة ومقاومتها الباسلة قلوبنا تنفطر ألما لمشاهد أهلنا في غزة ، و إطلاق البرنامج هو تفعيل لمبدأ طالما دافعنا عليه هو التأسيس لإعلام مقاوم مساند لقضايا الأمة ، و الانتصار لغزة يبدأ من بوابة التحرر من الفقر و الجهل و العوز ..و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون ..
كاتب و أكاديمي من المغرب
نقلا عن رأي اليوم











