لأجدادكم تاريخ حضاري فخره إرث لكم لا ترثونه، ولديكم العقل والذكاء، والحواس الخمس موجودة وتعمل، ؟ لماذا انعدام الحس بالإحساس إذاً، لماذا الصغارة، ولماذا الإستكانة والخضوع لظالم أو مغتصِب، ولماذا الإستهانة بالحقوق والإستهتار بالقيم ؟ وشمّاعاتكم لكل نائبة هو الصبر وصبركم صبر حمير يخلو من الرشاد. أسئلة التعجب لكم سلسلة مغلقة لا نهاية لها، وبدايتها في كل حلقة.
كنت دائم البحث عن إجابة مُقنعة لانحطاط المسلمين والعرب ودوما كان ظني خاطئاً أو ناقصاً، فالإجابة لم أجدها في علوم السياسة والإقتصاد أو في طبيعة المحاربين ولا في الخطابة وشحذ الهمم، فكل هذا وغيره في أوساط أصحابه منا فشِل وبالتالي سيبقى الحال على حاله ويتعمق. ولكني وقفت عند عامل “الوعي” سنينا ولم أجد له عند شعوبنا سبيلاً. فوضعت اصبعي على “المعرفة” وبأنها الأرضية التي نفتقد لمنسوبها اللازم كي تعمل أدواتنا وأدواتها وتُنتج. المعرفة هذه كمالها لله وحده، واستزادتنا منها هو الذي يمنحنا الوعي والقوة بأشكالها وحصة شعوبنا منها هي ضالتنا.
وهنا تواجه شعوب العرب أسئلة أساسية، \ لماذا باقي الشعوب الإسلامية التي حالها المعرفي نفس حالنا ولا تقع فيما نحن فيه من هزائم وهوان ؟ ولماذا أبواب المعرفة مغلقة علينا كشعوب عربية، وكيف تصل الى المنسوب اللازم منها لتشكل الوعي الكافي لإسعافها ونهوضها وما علاقة المقاومة في ذلك وأقول.
قدر العرب أن يكونوا محل استهداف القوى العظمى مبكراً حين زاوجت بين أطماع أيدولوجيتها الإستعمارية وذكريات التاريخ مع المسلمين وقراءتها للنتائج حين يسود العرب متوحدين بخصائص منطقتهم. ولم تكن هناك علاقة بين تخصيص العرب بالإستهداف وضعف فيهم أو استضعافهم. فقد خلقوا محاربين والغزو حرفتهم لأسباب منها البيئية، وأختصر الكلام بالقول أن المواجهة بين قوى الغرب العظمى والفلسطينيين لو كانت مع دولة آو قوم أخر غير الفلسطينيين لحسم الأمر من زمن، ولما بقيت هذه القوى عاجزة عن الفوز لقرن ونصف. بل إن العرب هم الشعب الوحيد الذي قاوم الاستعمار التركي قبل الحرب الأولى.
أما السؤال عن الصمت العربي، وكيف تصل شعوبنا الى منسوب المعرفة اللازم لإسعافها، فإن المصيبة في هذا لم تتوقف على كون هذه الشعوب ما زالت مستعمرة ولا تُدرك بأنها مستعمرة، بل في أنها خضعت وتخضع لحرب تجهيلية عليها من تلك القوى بكل أسلحة التجهيل والغزو الثقافي لعقود وبكل السياسات والوسائل العلمية والنفسية والقهرية حتى نالت من بنيتها التاريخية والقيمية والمفاهيمية، فكيف لمثلها أن تُفكر بمنطق لا تحس به.
وكمثال لأقوى وسيلة استخدمها المستعمر لهذا الإغلاق على أبواب المعرفة والتجهيل كانت السياسة التعليمية التي فتكت بالمواطن العربي من الطفولة الإبتدائية إلى الجامعات حين يُفرض على الطالب مادة معينة في كل حقل يجعلونها أساسا لنجاحه وعبوره أو فشله. حيث هنا يصبح النشأ والأمة في طامة التلقين والبرمجة وتحجُّر العقل بتغييب ثقافة القراءة والبحث عن الواقع والحقائق وبالتالي تعذر الحصول على المعرفة.
وفي المحصلة هنا، تأخذ مشكلة شعوبنا شكلها الأخير في عدم إحساسها بأنها تعيش داخل دولها في حالة استعمارية وعبودية الطبيعة كواقع سياسي تنكره وتدافع عنه وتتمسك به جهلاً. فحل هذه المشكلة يُمثل الشرط الطبيعي والخطوة الأولى حكماً لتظفر بأبواب بالمعرفة وصولا للوعي الراشد والتحرر والنهوض. ويصبح التحدي الحقيقي المطروح أمامنا هو كيف السبيل للتحرير السياسي لبلادنا؟
الجواب أن الناموس الرباني في الطبيعة لم يترك مخلوقاً بلا حيلة تخرجه من مأزقه. وهي للشعوب العربية في “المقاومة ومخرجاتها “.وأمامنا المقاومة الفلسطينية هي الفئة المتنورة، فهي “مدرسة “إشعاعية وعابرة للحدود وللعقول والنفوس تعطي شعوبنا من المعرفة والمعنويات والحقائق ما يولد فيها الثقة بنفسها ويدفعها لترى نفسها فيها بأية صورة كانت. فنجاح المقاومة وتسيد نهجها هو سقوط للأنظمة العربية وخروج للمستعمرين من فلسطين والمنطقة. فلقد كنا سابقا نقول تحرير فلسطين يمر من العواصم العربية وهذه معادلة فاشلة في حالة شعوبنا وإطار حديثنا، فتحرير الدول العربية هو الذي يمر من فلسطين .
نقلا عن رأي اليوم