على ذكر حوادث الغرق

حبيب الله أحمد

لم أستطع نسيان قصة غرق صديقى وزميلى " حسن" رحمه الله
كان ذلك فى نهاية 1987 أو بداية 1988 لا أتذكر تماما 
كان " حسن" سقت قبره هتون الرحمات تلميذا متميزا مسكونا ب" الرياضيات" متيما بها من افضل طلاب " إعدادية المربط " ذكاء ومواظبة 
دفاتره منظمة بخط جميل وتغليف راق 
كان محبا لحل المعادلات الرياضية الصعبة ولذلك كان لصيقا بطلاب لديهم نفس الاهتمام شخصيا لم أكن لصيقا به لأننى لا أفهم فى الرياضيات ولكنه كان من جماعتنا نذهب معا إلى المدينة ونجوس خلال أزقة" سيزيم" و" الكبه" ونتقاسم حياة " الصعلكة"
 كان محبوبا خلوقا قريبا من الجميع
ذات مرة قررنا المقيل على الشاطئ وهي عادة " كبيببة- سيزيمية" لايمكن التخلص منها 
جهزنا أنفسنا للمقيل 
وصلنا حدود منتصف النهار كنا نمشى مسافة و" نلنكى" مسافة ( اللام والكاف مغلظتان) 
وصلنا الشاطئ وتوزعنا على المهام ككتيبة جنود فى جبهة قتال
هذا يشعل الحطب وذلك " يعمر".
وهنا مسؤول عن الطبخ وهناك مسؤول عن المشروبات وهكذا 
كان " حسن" سباقا لخدمتنا لم يحشر نفسه فى مهمة محددة بل تراه يوقد النار ثم تراه يساعد الطباخ و" عدال أتاي"
مع كل ذلك كان يصطحب دفتر الرياضيات ويذوب بين صفحاتها تولها وهيمانا بحل المعادلات ولربما كانت لدينا امتحانات أو اختبارات قريبة يومها لا أتذكر تماما 
قضينا يوما نصفه سرور ونصفه حزن 
فجأة غسلت دموع حزننا مساء ضحكات فرحنا صباحا 
كنا نخيم عند " الكارب المحروك" وهو نقطة شهيرة من الشاطئ اي "؛سيزيمي" لا يعرفها لا تقبل شهادته 
صلينا العصر و" حسن" كان متدينا يصلى فيحسن الصلاة ويتقنها ركوعا وسجودا وطمأنينة 
بعد صلاة العصر قررنا التوجه للسباحة ونحن فيها مدارس ومشارب 
منا من يصل" ابريمير افاز" ومنا من يتجاوزه نحو " ديزييم افاز" واكثرنا شجاعة ومهارة يخاطر بالتجاوز إلى مابعد" تروازيم أفاز"
وأنا كنت من جماعة تحفر بعيدا من الشاطئ فإذا تجمعت رغوة الموج فى الحفرة قفزنا داخلها بشجاعة لا نظير لها وذلك هو مبتدأ سباحتنا ومنتهاها 
ابتعد " حسن" رحمه الله رغم اضطراب البحر وعلو الموج فقد كان سباحا ماهرا 
صرخنا فيه أن يعود ولكن نحن نريد والله يفعل مايريد 
ابتعد " حسن" كنا نرى يديه وراسه فقط وحين يحول الموج بيننا معه نبكى ونصرخ بشكل جماعي 
عشنا لحظات رعب قضيناها بين الدعاء والبكاء وطلب النجدة 
قفز سباحون وجنود ومصطافون كثر يتقصون أثر " حسن" 
ولكن " حسن" لم يعد 
" حسن" لن يعود
اسلمنا انفسنا للبكاء كان بكاء عجز وهزيمة وفجيعة 
حضر رجال الأمن والبحرية 
تم إبعادنا بسرعة عن الشاطئ 
بدأت عمليات بحث شارك فيها جنود ورجال أمن ولكن قدر الله وماشاء فعل
غرق " حسن" 
سقط علينا الخبر النهائي المفجع سقوط الصاعقة 
تساقطنا على الشاطئ بكاء وضعفا 
وبالكاد عدنا إلى منازلنا حدود العاشرة مساء لائذين بالدموع والصمت 
فى اليوم الموالى انطلقنا قبيل الفجر إلى الشاطئ 
لقد اكدوا لنا أن " حسن" ذهب إلى رحمة الله 
فى حدود التاسعة صباحا قذف البحر بالجثمان الطاهر إلى الشاطئ 
وقطع الشك باليقين لنعود مرة أخرى 
( " ولاعين إلا وهي "عين^ من البكا
ولا خد إلا للدموع به " خد" )
رحم الله " حسن" وغفر له وتجاوز عنه

خميس, 07/08/2025 - 18:01