سألني بعض الاخوة في هذا الفضاء عن المسألة الزنبورية ماهي، وما قصتها؟
وإليكم القصة ملخصة :
ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز أن يقال "كنت أظن أن العقرب أشد لَسْعَةً من الزُّنْبُورِ فإذا هو إياها". وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز أن يقال: "فإذا هو إياها". ويجب أن يقال: "فإذا هو هي".
أما الكوفيون فاحتجوا بالحكاية المشهورة بين الكسائي وسيبويه.
وذلك أنه لما قدم سيبويه على البرامكة، طلب أن يجمع بينه وبين الكسائي للمناظرة؛ وكان ذلك في مجلس يحيى بن خالد وعنده وَلَدَاهُ جعفر والفضل ومن حضر بحضورهم من الأكابر.
ولما جاء الكسائي قال سيبويه : تسألني أو أسألك؟ فقال: بل تسألني أنت، فأقبل عليه الكسائي فقال: كيف تقول: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي، أو فإذا هو إيَّاهَا؛
فقال سيبويه: فإذا هو هي، ولا يجوز النصب؟
فقال له الكسائي: لحنت، ثم سأله عن مسألة من هذا النحو نحو "خرجت فإذا عبد الله القائم، والقائم" فقال سيبويه في ذلك بالرفع دون النصب.
فقال الكسائي: ليس هذا من كلام العرب، والعرب ترفع ذلك كله وتنصبه، فدفع ذلك سيبويه، ولم يجز فيه النصب، فقال له يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما؟
فقال له الكسائي: هذه العرب ببابك قد اجتمعت من كل أوب؛ ووفدت عليك من كل صُقْع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل المِصْرضين، وسمع أهل الكوفة والبصرة منهم؛ فيحضرون ويسألون،
فقال له يحيى وجعفر: قد أنصفت، وأمر بإحضارهم، فدخلوا وفيهم أبو فَقْعَس وأبو زياد وأبو الجراح وأبو ثَرْوَان، فسئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه، فوافقوا الكسائي، وقالوا بقوله.
فأقبل يحيى على سيبويه فقال: قد تسمع.
وأقبل الكسائي على يحيى: وقال أصلح الله الوزير! إنه وَفَدَ عليك من بلده مؤملًا، فإن رأيت أن لا ترده خائبًا، فأمل له بعشرة آلاف درهم، فخرج وتوجه نحو فارس، وأقام هناك، ولم يعد إلى البصرة.
ويعلق أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب على المسألة قائلا : إن "هو" في قولهم "فإذا هو إياها" عماد، ونصبت "إذا لأنها بمعنى وَجَدْتُ على ما قدمناه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز إلا الرفع لأن "هو" مرفوع بالابتداء، ولا بد للمبتدأ من خبر، وليس ههنا ما يصلح أن يكون خبرا عنه، إلا ما وقع الخلاف فيه، فوجب أن يكون مرفوعا، ولا يجوز أن يكون منصوبا بوجه ما؛ فوجب أن يقال "فإذا هو هي" فهو: راجع إلى الزنبور لأنه مذكر، وهي: راجع إلى العقرب لأنه مؤنث.
المصدر ( بتصرف) :
(الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين: البصريين والكوفيين)
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري، أبو البركات، كمال الدين الأنباري (المتوفى: 577هـ)
تعليق :
تذكر بعض المصادر التاريخية أن الكسائي كان قد اتفق مع الاعراب الذين تولوا الحكم في القضية وأنه دفع لهم لكي ينصروه.. مما تذكر أن سيبويه مات غما وحزنا وهو في الطريق عائد إلو بلدته، بسبب هذه المسألة..
والله أعلم..