مسقط… اختبار ترامب ودهاء إيران في سباق التفاوض والتهديدات

نجاح محمد علي

مع اقتراب الجولة الخامسة من المفاوضات النووية المقررة يوم السبت 3 مايو 2025 في مسقط، تؤكد الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمسكها بحقها المشروع في تطوير برنامجها النووي السلمي، في ظل أجواء مشحونة بالضغوط الخارجية والتهديدات الأمنية، التي تتزامن مع حوادث مشبوهة تهدف إلى تقويض هذا الحق وزعزعة الموقف الإيراني في مسار التفاوض. لم يكن انفجار ميناء الشهيد رجائي في بندرعباس في 26 أبريل الجاري، بعد ساعات فقط من انتهاء الجولة الرابعة من المحادثات، مجرد صدفة؛ بل تشير قرائن عدة إلى احتمال وجود دور لكيان الاحتلال الصهيوني أو لأطراف داخلية مرتبطة به، في محاولة لتعطيل مسار المفاوضات أو دفعها نحو التصعيد.

الوفد الإيراني برئاسة عباس عراقجي أعاد التأكيد خلال المفاوضات السابقة على شروط إيران الأساسية: رفع كامل لجميع العقوبات، الاعتراف بحق تخصيب اليورانيوم داخل البلاد، وتقديم ضمانات قانونية ودولية تضمن تنفيذ أي اتفاق جديد.

الجولة الرابعة استغرقت أكثر من أربع ساعات، وناقشت أطرافها الرئيسية ملفات حساسة مثل مستوى التخصيب، كمية المخزون النووي، وكيفية عودة الأطراف كافة إلى التزامات الاتفاق النووي الأصلي لعام 2015. وتُعد الجولة الخامسة المنتظرة في مسقط حاسمة، إذ يُفترض أن ترسم الخطوط العريضة لاتفاق مبدئي قابل للتنفيذ، يعالج الهواجس التقنية والأمنية ويخفف من حالة الاحتقان.

في هذا السياق، لم يكن غريبًا أن يتزامن التصعيد الأمني مع التوتر الدبلوماسي. إذ يحاول الكيان الصهيوني مجددًا التأثير على مسار التفاوض من خلال الضغوط، أو عبر عمليات تخريبية ميدانية لا يتم الإعلان عنها وتبينها.

رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو، كما نقلت جيروزاليم بوست في 15 أبريل، يطالب بتفكيك كامل البنية التحتية النووية الإيرانية، بينما يبدو أن دونالد ترامب، الباحث عن إنجاز خارجي في ولايته الثانية، بات أكثر مرونة، رغم الضغوط الصهيونية، ويبعث برسائل متزايدة تفيد بإمكانية الوصول إلى اتفاق متوازن. وقد علّق عراقجي على هذا التباين موضحًا أن إيران لن تسمح لأي طرف خارجي – وخاصة كيان الاحتلال – بأن يفرض شروطه على طاولة التفاوض، مشددًا على أن الثوابت الوطنية الإيرانية غير قابلة للمساومة.

انفجار ميناء الشهيد رجائي – أكبر ميناء تجاري في إيران – وقع في توقيت حساس للغاية. ليس فقط لأنه أعقب مباشرة جولة تفاوضية مهمة، بل لأنه جاء متزامنًا مع تصعيد غير مباشر من قبل بعض وسائل الإعلام العبرية. فقد نشرت صحيفة هآرتس في 20 أبريل تقريرًا مفصلًا عن خطط{ إسرائيلية} لاستخدام أدوات التجسس الإلكتروني والتخريب الميداني داخل إيران، بالتوازي مع تحريض على الاحتجاجات الشعبية. أما نيويورك تايمز فنشرت في 13 أبريل تقريرًا استخباريًا يُظهر كيف سعت الاستخبارات {الإسرائيلي} إلى اختراق البنية الصناعية الإيرانية عبر تجنيد عناصر محلية متذمرة، بهدف تقويض الاقتصاد وضرب القدرة التفاوضية لطهران. وفي ظل هذا السجل الطويل من الاعتداءات – من تفجيرات منشأة نطنز إلى اغتيال العلماء النوويين – لا يبدو مستبعدًا أن تكون حادثة بندرعباس جزءًا من سلسلة عمليات ممنهجة لعرقلة التقدم الإيراني، وهو مايجب أن تنتبه له طهران وأجهزتها الأمنية.

في خضم هذه التطورات، جاءت تصريحات الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني لتسلط الضوء على جذور الأزمة النووية، حيث كشف في خطاب له يوم 28 أبريل عن أن بداية المشكلة تعود إلى مؤامرات تمت فبركتها عام 2002. روحاني أشار إلى أن عينات المواد التي أرسلتها إيران طواعية إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي كانت نظيفة، تم استبدالها خارج البلاد بعينات ملوثة، في محاولة لإثبات ادعاءات زائفة ضد إيران. كما كشف أن بعض أجهزة الطرد المركزي التي باعتها جهات خارجية لإيران في بدايات المشروع كانت ملوثة عمدًا بيورانيوم عالي التخصيب، بهدف إعطاء انطباع مغلوط للمفتشين الدوليين. هذه الشهادات تدل على أن البرنامج النووي الإيراني تعرض منذ البداية لحملات تضليل وتخريب منهجية، هدفها ليس منع انتشار السلاح النووي، بل كبح تطور إيران كقوة مستقلة ذات سيادة.

هذا التلاعب الغربي الممنهج – كما يؤكده سياق الأحداث – يتناقض مع صمت المجتمع الدولي على الترسانة النووية غير المعلنة للكيان الصهيوني، الذي يرفض التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي ولا يخضع لأي رقابة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. المفارقة المؤلمة أن إيران – رغم انضمامها المبكر إلى المعاهدة والتزامها الشفاف بإجراءات الوكالة – تتعرض لأشد العقوبات والضغوط السياسية والإعلامية، في مشهد يُظهر اختلالًا فاضحًا في معايير الشرعية الدولية.

وعلى الرغم من هذه الظروف، لا تزال إيران متمسكة بالحل الدبلوماسي. الزيارة الأخيرة التي قام بها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إلى طهران في 28 أبريل، استقبلت بترحيب رسمي وشعبي، وقد أبدى غروسي في ختامها ارتياحه لمستوى التعاون الإيراني. في المقابل، تدرك طهران أن الطريق إلى اتفاق مستقر لا يمر فقط عبر العواصم الغربية، بل يقتضي أيضًا تحصين الجبهة الداخلية وتعزيز الجاهزية الأمنية لمواجهة التهديدات. التحقيق الجاري في حادثة بندرعباس سيكون اختبارًا مهمًا لقدرة المؤسسات الإيرانية على كشف الحقيقة ومعاقبة الجناة، لا سيما إذا تبين أن هناك تواطؤًا داخليًا مع شبكات التخريب الأجنبية.

إيران الآن تقف على مفترق طرق. إما أن تنجح في إنجاز اتفاق عادل ومشرّف، يرفع الحصار الاقتصادي ويكسر طوق العزلة، أو تواجه تصعيدًا جديدًا يخطط له أعداؤها الإقليميون والدوليون بكل الوسائل. لكن التجربة التأريخية لإيران، وثبات موقفها، وقدرتها على الصبر الاستراتيجي، تشير إلى أنها قادرة على تجاوز هذا المنعطف، شريطة أن تبقى متماسكة داخليًا ومبدعة في أدواتها السياسية والأمنية والدبلوماسية.

كاتب مختص بالشأن الايراني

نقلا عن رأي اليوم

أربعاء, 30/04/2025 - 15:56