وصلت القسم وجلست على الطاولة؛ كانت السبورة مغبرة ومليئة بدروس الأمس. قلت في نفسي؛ لابد أن أعرف مدى تجذر روح المبادرة في نفوس الطلاب!
فقررت أن لا أقول لهم أن يمسحوا السبورة..
بقيت منتظرا؛ ثم خرج من وسط الصفوف طالب لم يكن طويل القامة وأخذ الطلاسة وبدأ يمسح السبورة؛ ثم يقفر حتى يصل بيده لأبعد مدى…
ثم دخلت طالبة تحمل قنينة ماء وطلاسة، يبدو أنها أخذت زمام المبادرة قبل وصولي، وتم تنظيف السبورة بشكل جيد تماما...
أما رئيس القسم؛ والذي يدخل “ مسح السبورة “ في نطاق صلاحياته الواسعة؛ فإنه لم يأخذ زمام المبادرة وبقي جالسا في مقعده..
عند الانتهاء من مراسيم التطلاس؛ قلت لهم إن هناك زيادة معتبرة في النقاط؛ للذين أخذوا زمام المبادرة من تلقاء أنفسهم؛ وكانت نقطتان…
تعذر بعضهم بقصر القامة وعدم وجود طلاسة، وأحيانا بأن للقسم رئيس محدد. قلت لهم إن المطلوب منهم ليس أن ينتظروا الشروط المثالية للقيام بمهمة معينة، بل الاستعانة بالمتاح من الجهد والإمكانيات…
في الحصة الموالية؛ وجدت السبورة تلمع؛ وكانت صاحب المبادرة ليس من عادته الذهاب للسبورة، لكن وكما يقال في المثل الشعبي: “ الكرية تجري الزحاف “..
لكن لم تكن هناك زيادة جديدة؛ لأن الفرص يجب أن تبقى فرصا ولا تتكرر بشكل ممل يفقدها روح المباغتة، فالفرص يجب اقتناصها، وترصد ومضاتها…
في هذه الحياة؛ لابد من تقديم الهدايا لخلق التحفيز، وأما الترهيب واللوم والتعنيف اللفظي قبل الترغيب، فإنه يخلقُ سيطرة مزيفة وانسجاما خادعا وطاعة ملغومة بالتمرد المكبوت. وغالبا في البيئات التي يسودها الخوف؛ لا تكون الأشياء على حقيقتها، وغالبا لا تكون طاقة الإنسان الفكرية في كامل نشاطها وألقها…
كما أن حضور روح الخبز في الشرح يفتح الشهية. في درس الكسور أو (Les fractions) لتعطي للتعبير معنى. يجب أن تأخذ قطعة خبز مجازا وتقسمها إلى أربع قطع متساوية؛ ثم تقول؛ سأعطي الطالب هنالك ثلاث قطع، وربما يكون رئيس القسم مثلا. كيف سأعبر عن نصيبه بعدد كسري؛ سيقولون لك: 3/4