قبل أن تنتخب ... نصحا وإصلاحا

ونحن مقبلون غدا -إن شاء الله- على أمر مهم لتأثيره العظيم على مصالحنا الدينية والدنيوية ألا وهو اختيار رئيس يتولى قيادة هذا البلد لخمس سنوات، أريد أن أتناول نصحا وإصلاحا بعيدا عن التخندق السياسي أو إعلان موقف انتخابي، موضوع الانتخابات في ثلاثة عناوين هي :
       1- الاهتمام بالسياسة وفقا لتعاليم الشرع قربة وطاعة.
      2- انتخاب الأفضل والأصلح واجب شرعا 
      3- التزوير محرم شرعا.
فإليها.

☆  الاهتمام بالسياسة وفقا لتعاليم الشرع قربة وطاعة

ورد في حديث "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم" ويقول ابن تيمية رحمه الله : "فصل يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم".  (...) فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقُربة يُتقَرَّب بها إلى الله؛ فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات" (السياسة الشرعية 129)

وذلك لأنه كما يقول نجم الدين أربكان رحمه الله "المسلمون الذين لا يهتمون بالسياسة يحكمهم ساسة لا يهتمون بالإسلام!" 

وكما يقول الإمام بداه بن البصيري رحمة الله عليه "دين بلا سياسة لا يستقيم وسياسة بلادين عار الدنيا ونار الجحيم"

☆  انتخاب الأفضل والأصلح واجب شرعا 

فيجب على الناخب أن يصوت لمن يرى أنه أكفأ المترشحين وأصلحهم، وذلك لأن

- الانتخاب تولية من الناخب للمنتخب على أمور الناس وقد  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين" 

فمن صوت لمن يرى أن غيره أفضل منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.

- الانتخاب أمانة، فصوتك أمانة عندك ممن منحك حق الانتخاب وهو هذا الشعب يوم أقر الدستور، فيجب أن تؤدي إليهم أمانتك وأن تختار لهم الأصلح كما أمرك الله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وأن لا تغشهم كما حذرك رسول الله صلى الله عليه وسلم [من غشنا فليس منا]

- الانتخاب إشارة من الناخب. الناخب مستشار، يشير على الناس بطريق تصويته بأن من صوت له هو الأصلح لهم،  فيجب أن يشير عليهم بالأصلح لهم حقا،  فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المستشار مؤتَمَن" وقال عليه الصلاة والسلام: "ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه".

هذا كله يوجب على الناخب أن ينتخب أصلح المترشحين، وليس من حقي أن أحدد لك الأصلح وإنما الأمر راجع إليك وأنت مطالب بالاجتهاد فيه، لكن أذكر لك أن الكفاءة لها ركن أساسي وهو الأمانة ثم يضاف إلى الأمانة من المعايير ما تتطلبه المسؤولية والحال، فموسى عليه السلام لما كان عمله بدنيا أضيف لأمانته قوة بدنه قال تعالى " قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" ويوسف عليه السلام لما كان عمله ذهنيا أضيف لأمانته علمه قال تعالى حكاية عنه "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" 

وقد حرص سلفنا الصالح على اختيار الأكفأ والأصلح فقد سئل الإمام أحمد: عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزى؟ فقال: "أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين فيغزَى مع القوي الفاجر"

ويقول الإمام الماوردي "ولو كان أحدهما أعلم والآخر أشجع روعي في الاختيار ما يوجبه حكم الوقت، فإن كانت الحاجة إلى فضل الشجاعة أدعى لانتشار الثغور وظهور البغاة كان الأشجع أحق، وإن كانت الحاجة إلى فضل العلم أدعى لسكون الدهماء وظهور أهل البدع كان الأعلم أحق" (الأحكام السلطانية 26)

ولهذا الحرص كان المسلمون، ولانعدامه صاروا !

فلتجتهد عبد الله في اختيار الأصلح لبلدك.

☆ التزوير حرام شرعا 

تصويتك لمرشح شهادة منك له بالأصلحية والأفضلية فاحرص على أن تشهد بالحق، واحذر من أن تشهد شهادة الزور ، واجتنبها  كما أمرك الله {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}

ﻭ شهادة الزور ﻋﺪﻫﺎ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻦ ﺃﻛﺒﺮ ﺍلكبائر فقاﻝ  :  "ﺃﻻ ﺃﻧﺒﺌﻜﻢ ﺑﺄﻛﺒﺮ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ " ﻗﺎﻟﻮﺍ : ﺑﻠﻰ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﺎل: "ﺍﻟﺸﺮﻙ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭ ﻋﻘﻮﻕ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﻜﺌﺎ ﻓﺠﻠﺲ ﻓﻘﺎﻝ : ﺃﻻ ﻭ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺰﻭﺭ ﺃﻻ ﻭ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﺰﻭﺭ" ﻓﻤﺎ ﺯﺍﻝ ﻳﻜﺮﺭﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﻠﻨﺎ ﻟﻴﺘﻪ ﺳﻜﺖ.

كما وردت النصوص بالتحذير من الأمور التي تحمل الشخص على التزوير ومنها 

- المصلحة الدنيوية الشخصية الخاصة مالا كانت أو جاها أو وظيفة 
فقد ورد في حديث "ﺛَﻠَﺎﺛَﺔ ﻻ ﻳَﻨْﻈُﺮُ ﺍﻟﻠﻪِ ﺇﻟَﻴْﻬِﻢْ ﻳَﻮْﻡَ ﺍﻟْﻘِﻴَﺎﻣَﺔِ، ﻭﻻ ﻳُﺰَﻛِّﻴﻬِﻢْ، ﻭَﻟَﻬُﻢْ ﻋَﺬَﺍﺏ ﺃﻟِﻴﻢ وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فقال "وَﺭَﺟُﻞ ﺑَﺎﻳَﻊَ ﺇِﻣَﺎﻣﺎً ﻟَﺎ ﻳُﺒَﺎﻳِﻌُﻪُ ﺇﻟَّﺎ ﻟِﺪُﻧﻴﺎ، ﻓَﺈِﻥْ ﺃَﻋْﻄَﺎﻩُ ﻣِﻨْﻬَﺎ ﺭَﺿِﻲَ، ﻭِﺇﻥْ ﻟَﻢْ ﻳُﻌْﻄِﻪِ ﻣِﻨْﻬَﺎ ﺳَﺨِﻂ"َ

فاحذر هذا الوعيد ولا تبع صوتك بمال ولاجاه ولا وظيفة، لا تبعه لأي مرشح.

- العصبية النسبية أوالشرائحية أو الجهوية أوالفكرية فعن يزيد بن أبي سفيان، قال: قال لي أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين بعثني إلى الشام: يا يزيد، إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة ذلك أكثر ما أخاف عليك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمَّر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم.

فلا تحاب بصوتك غير الأصلح لبلدك وإن كان أقرب إليك نسبا أو شريحة أو جهة أو فكرا.

ومن أنواع التزوير  تصويت الشخص ببطاقة غيره وفي هذا ﻛﺒﻴﺮﺓ مضافة لكبيرة التزوير وﻫﻲ ﺍﻧﺘﺴﺎﺏ ﺍلشخص ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺃﺑﻴﻪ، وقد قال ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : "ﻣﻦ ﺍﺩﻋﻰ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺃﺑﻴﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻏﻴﺮ ﺃﺑﻴﻪ ﻓﺎﻟﺠﻨﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺮﺍﻡ "

هذه نصوص كثيرة لو أننا طبقناها وراقبنا الله فيها لاستطعنا أن نجري انتخابات شفافة ونزيهة من غير احتياج لمراقبة أي جهة أخرى، ولأفرزت انتخاباتنا الأكفأ والأصلح لبلدنا، فيجب أن نحرص على ذلك حتى نردم الهوة بين حياتنا وتعاليم ديننا، الهوة التي أنتجت المقولة الموجعة المؤلمة "الحمد لله أني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين!" 

احرص على أن تكون مسلما حقا أو مت وأنت تحاول!.

اللهم ول أمورنا خيارنا ولا تول أمورنا شرارنا
اللهم اجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك.

الحسن النجاشي

جمعة, 21/06/2019 - 16:20