ما يأخذه إخوتنا الإسلامويون اليوم ، و بشكل متنام منذ بعض الوقت، على الإمام ولد حبيب الرحمن من إدخال دور صفته العلمية الدينية و رمزيته الطقسية في السياسة و عدم الحياد ، مع أن هذا ليس أمرا طارئا عليه فقد كان دائما هكذا ، هو بالضبط ما نأخذه نحن على الشيخين معا : ولد الددو و ولد حبيب الرحمن. بمعنى آخر هو ما ندعوه ضرورة ابتعاد علماء الدين عن الانغماس في تفاصيل الشؤون السياسية و التحيز لحزب أو مجموعة أو رأي سياسي على حساب أحزاب أو مجموعات أو آراء أخرى ، أو التحرف إلى شريحة أو عرق أو قومية. إنها نوعية أو لنقل جرعة العلمانية التي ندعو لها، التي تبقي الدين حاضرا في حياتنا يوجهنا و يعصمنا داخل حدود ضوابط الدين ، و في ذات الوقت تصون علماءنا عن التلطخ بأوساخ مستنقع تجاذباتنا و عراكاتنا ، من دون أن ينحاز شيوخنا في الدين إلى نصرة سياسية لبعضنا ضد بعض باسم الإسلام ! إن ما شعر به إخوتنا الإسلامويون من تقزز إثر إشادة ولد حبيب الرحمن بإنجازات نظام سياسي أو التحيز لمرشح تصريحا أو تلميحا ، هو ما يشعر به البعثيون و الناصريون و الليبراليون من ضيق و تقزز حين يهاجم الشيخ الددو و من على شاكلته ، نتمنى له الشفاء من كل ما يشكو منه و لغيره الفرج و تنفيس الكرب ، التجربة القومية أو الليبرالية، من منطلق الانتساب لحركة الإخوان المسلمون و السعي للتمكين السياسي لهم !
إن تحيز الشيخ الددو لشهداء رابعة، و صمته على شهداء ميدان الاعتصام في الخرطوم ليس له ما يبرره دينيا، و لكن التحيز الاديولوجي في أشد صوره الانغلاقية ! إن وقوف الشيخ الددو مع الانتفاضات الشعبية ضد أنظمة استبدادية في 2011 ، و دفاعه عن مستبد لا يقل عن تلك الأنظمة استبدادا و بطشا في السودان ، و لا يقل عنهم عمرا في السوء، ليس له ما يسوغه من دين محمد (ص) ، و لكن يجد رافعة له في الحمية لجماعة الإخوان !
أعتقد أن إشادة ولد حبيب الرحمن بإنجازات عزيز و حميته للمرشح ولد الغزواني تبقى شيئا غير مذكور في جانب وقوف شيوخ علماء الإخوان المسلمون إلى جانب تيار سياسي دون قناع ؛ بل و انخراطهم عمليا في إطاحة أنظمة و الدفاع المستميت عن أنظمة لا تقل سوءا، إن لم تكن هي الأسوأ ، إذا أخذنا نظام عمر حسن البشير كمثال، الذي جمع أقبح ما يوصف به نظام سياسي : الاستلاء على السلطة بالقوة، و الاستبداد السياسي، و الفشل الاقتصادي ، و خيانة وحدة الشعب و حوزته الإقليمية و العزلة الدولية و إبادة مواطنيه حين ثاروا عليه ثورة سلمية، لا دخل فيها للسلاح و لا للتواطئ مع جهات أجنبية !
فهل أدرك إخوتنا الإسلامويون قيمة مثل هذه الجرعة من العلمانية التي تبقي الدين على مسافة واحدة من أبناء الوطن و الدولة بمؤسساتها خيمة جامعة لكافة مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية و الفكرية و المذهبية و الدينية ?.
هذه هي دولة المواطنة ، و هذا هو الدين و علماؤه في دولة المواطنة الجامعة..
هذا ما نؤمله مع طلائعهم التنويرية التي تقدم خطوة في هذا الاتجاه ، و تتأخر ثلاث خطوات أمام شدة العتمة التي تحيط بها ! و لكن، في النهاية ينتصر الدين بالعقلانية و تنتصر العقلانية بتمييز الدين عن شعب و جماعات التدين ...