عندما أقول نحن فإنني أقصد أبناء جيلي من مواليد العام 1984، ذلك الجيل الذي أفاق على معاوية، واحتاج لأكثر من عقدين من الزمن حتى يعرف رئيساً جديداً، إنه عُمر لا يمكن التنصل منه بهذه السهولة، ومن أراد أن يكون صادقاً مع نفسه فسيقول إن رؤية صورة لمعاوية بعد أن اختفى تُثير الكثير من المشاعر.
نحن الجيل الذي لم يصفق للرجل، لأنه رحل قبل أن ندخل جوقة المصفقين المزدحمة بالكهول والمشايخ وعُتات المنافقين، كما لم نُعارضه لأن أحلام الهجرة واللجوء والشهرة لم تراودنا في عهده، كانت علاقتنا به خاصة جداً، تُشبه كثيراً علاقة الابن بجده، مبنية على الحب والأسْطرة، وكثير من الضبابية والندم والحنين.
عندما رحل معاوية، كانت ذاكرتنا المراهقة تحتفظ بصور وأسماء الشخوص المحيطة به، وتلك الأسماء التي كانت تقف معه، وعندما سقط رقصت على جثته، في واحدة من أبشع صور اللؤم والنذالة، وهي صور عادت إلى ذاكرتنا ونحن نشاهد شيب معاوية وصمته القاتل وابتسامته الشاحبة.
معاوية الدكتاتور السيء والنظام البائد.. وأشياء كثيرة سمعناها عندما اكتشف المنافقون سوءه بعد أن رحل، وأماط الأصدقاء اللثام عن عيوبه وهو في المنفى، وفتح حلفاؤه أبواب نقده لتمهيد الأجواء لإسقاطه، كل ذلك لا ينفي عنه تهمة الفساد، ولكنه لا يلصقها به وحده، فالحديث عن « معاوية » هو حديث عن « نظام حُكم »، تورط فيه الجميع، وسقط فيه الجميع، ولو تمت محاكمة معاوية، لأدين كثيرون قبله.
تصوروا أن الرجل البالغ من العمر 78 عاماً، خلال 15 عاماً الأخيرة، لم يشاهد الغروب من مرتفعات « آدرار »، لم يشرب من « عين أهل الطايع »، ولم يأكل من تمر « الكيطنة »، كما لم تداعب نسائم المحيط الأطلسي كتفيه وهو يرتدي « دراعة » خفيفة الظل، ناعمة الملمس، طيبة الرائحة، لم يشاهد ضحكة بائع « المساويك » الطيب والبسيط في مدينة أطار، لم يستمع للأحاديث البسيطة والعادية لأقرانه من الشيوخ وهم ينتظرون صلاة المغرب في مسجد متواضع.
إنها الأشياء البسيطة التي يحن لها أي شيخ وهو على أعتاب الموت، حنينه للماضي وأحلامه البسيطة، للمرابع التي تذكره بوالديه وأهله، تذكره بإنسانيته.











