اليوم أخبرني الفيس بوك بأنه عيد ميلاد حوالي 1000 من أصدقاء صفحتي، واقترح علي أن أساعدهم في الاحتفال بهذه المناسبة!
لا ترهقني من أمري عسرا...
لكن هل خرف الفيس، ولما ذا يولد هذا العدد الكبير (20% من أصدقائي) في هذا اليوم بالذات؟!
كان الفيس، كعادته، صادقا. لكنه لا يعلم أنها أكبر كذبة قامت عليها هيئة الحالة المدنية الجديدة في موريتانيا. والأهم فيما غاب عنه أيضا أننا معشر الموريتانيين كنا قبل عقدين، بل وإلى الآن، لا نحتفل إلا باليوم السابع لميلادنا، ثم ننساه... والضابط من أهلنا من سيتذكر تلك المناسبة السعيدة في أي سنة كانت!
ولكن أيضا لما ذا يتذكرها؟ لنفرض أن الأبوين يتذكران السنة والشهر واليوم والساعة... بل لديهما وثيقة رسمية من مصحة الولادة، لأنهما من سكان المدن الكبيرة.
كل ذلك لا يضمن تحديد تاريخ الميلاد، يا أستاذ زوكيربرغ... لأن "مراسب" التعليم وشبح البطالة والخوف من التقاعد العاجل... تحمل الناس على "قصران العمر"... وأحيانا عند وجود فرصة عمل خاطفة تشترط بلوغ الأشدـ يتطلب الأمر "طول العمر"... وفي جميع الحالات يضيع تاريخ الميلاد الحقيقي، الذي تضيع وقتك في برمجته، مساعدة وتوددا لنا!
الحكومة والهيئات الرسمية تأخذ بهذه الحقيقة، فتوسع فترة المخاض والولادة إلى 12 شهرا... فلا تفرق بين من ولدوا مفتتح الساعة الأولى من يناير ومن ولدوا في الساعة الأخيرة من دجمبر... كلهم أتراب ولدوا في سنة واحدة!
ثم لمَّا قررت الحكومة الموريتانية ضبط الحالة المدنية وتحديثها لتكون، كما يكون في الدول المتقدمة، دقيقة في التأريخ لميلاد مواطنيها؛ وليس منهم، أو من ذويهم مَن يعرف، أو يقرر، غير تحديد السنة إجمالا... تولت هي عنهم تحديد اليوم والشهر... ولكنها، احتياطا واتقاء للاحتجاج على "زيادة العمر" أنجبتهم جميعا في اليوم الأخير من الشهر الأخير من سنتهم (xxxx/12/31)!!
ومن هنا ولد معظم الموريتانيين، كبارا وصغارا وإناثا وذكورا، في نفس اليوم: 31 دجمبر، مهما يكن العام!
ليس هذا هو المشكل الوحيد في ابتكارات الحالة المدنية، وفهمها للحداثة أنها تقليد الدول الأخرى وحسب؛ فلقد أوقعها ذلك الفهم المختل في مشكلة أخرى زادت عزلتها وغربتها في المجتمع الموريتاني، أو في اكثر أجزائه على الأقل؛ ألا وهي استحداث الاسم العائلي، وحذف واصلة النسب السائدة منذ القدم؛ وهي "بنت" و "ولد" (أو ابن) على فصاحتها اللغوية والعمل بها في عدة بلدان عربية!
والمشكلة الكبرى هنا ليست في مخالفة العرف والتراث، دون أي سبب أو مسوغ، وإنما في الاصطدام بواقع اجتماعي يعيق، بل يمنع، اعتماد الاسم العائلي.
ذلك هو أن شيوع تعدد الأسماء والألقاب لنفس الشخص، وتركيب الاسم ذاته من عدة اسماء... يجعل الأمر مستحيلا، أو مثيرا للمشاكل...
ففي هذا المجتمع ينسب الإخوة الأشقاء المتعددون، أحيانا إلى نفس الجد (الاسم العائلي) ولكن بأسماء أو ألقاب له مختلفة، أو ينسب أحدهم للجد الأول، والآخر للجد الثاني أو الثالث... كاسم عائلي... وهكذا...!!
والطريف أنه في بعض الوثائق المدنية الجديدة الهامة (جواز السفر مثلا) لا توجد خانة ولا ذكر للأب المباشر!