هنا وادان: هجم الرئيس غزواني اليوم، في خطاب افتتاح المهرجان، على بعض النخب ووصف بعض مسلكياتها بأنه يهدم أسس بناء الأمة ويقوض مشتركاتها..
هذا الهجوم، الأول من نوعه من رئيس الجمهورية، يقول بلسان فصيح إن السلطة مستاءة من تناقض مسلكيات تلك النخب مع المعلن من أفكارها.
لستُ في وارد الدفاع عن تلك النخب ولا لشرح مغزى حديث الرئيس عنها، لأني مستعجل على التأكيد على عدم جدوائية من مهرجان مدائن التراث..
هذه هي قناعتي منذ انطلاق "مهرجان المدن التاريخية"، الذي تحول في عهد ولد الغزواني إلى "مهرجان مدائن التراث"..
انتقدنا مراراً وتكراراً رحيل الدولة بقضها وقضيضها إلى فيافٍ، كانت في غابر الأزمنة مدناً، ثم تحولت إلى أطلال، تقطنها مجموعات يعاني أغلبها الفقر المدقع..
حضرتُ أغلب مهرجانات المدن التاريخية وجميع مهرجانات "مدائن التراث" ولم تتغير قناعاتي كثيراً، رغم إطلاق ولد الغزواني، هنا من وادان، قبل سنوات للمكونة التنموية، التي كانت تحتاجها هذي الساكنة..
تَوفّرَ الماءُ، ولو لساكنة قليلة متشبثة بهذه الأرض، وتوفرت الصحة نسبياً، وتم فك العزلة نسبياً، وانتعشت المشاريع الصغيرة جداً نسبياً، وشهدت هذه المدن حيوية اقتصادية نسبياً جداً..
البعض هناك في نواكشوط لا يستوعب، مثلاً، أهمية تمويل تعاونية لزراعة الخضراوات تحت النخيل في وادان، ولا يتفهم حاجة الناس هنا إلى كل شيء، حتى وإن كان تمويل تعاونية لعمل تكسير الحجارة..
سكان المدن التاريخية يفتقرون لكل شيء ،إلاّ العزيمة والصبر على كرّ الجديدين..
هذه المناطق لا ماء فيها ولا مرعى، ولكن أهلها المتشبثين بيها، كانوا في أمس الحاجة إلى هذا الدعم"السخي" في نظرهم، والقليل فعلاً، فهم تعودوا منذ إنشاء الدولة الموريتانية أنّ الاهتمام بالحجر والتراث، في مدنهم، أكبر من الاهتمام بالبشر وحاجيات الحياة ..
ما زلتُ غير مقتنع بأهمية هذا الحشد الرسمي والشعبي، في هذا المجال النائي، ويحاولون إقناعي بأنها، في جانب آخر، مناطق حدودية مع فضاء مفتوح، تتطلب، بين الفينة والأخرى، تحركاً من هذا القبيل، لمؤازرة الساكنة سياسياً وأمنياً، فضلاً عن الأبعاد الاقتصادية للحدث..
قبل سنوات معدودة كانت وادان وشنقيط وولاته وتيشيت، تشرب في الغالب من مياه الآبار الشحيحة، ولم تكن الكهرباء المتوفرة اليوم في هذه المدن ولا المراكز الصحية والأنشط المدرة للدخل ضمن أحلام ناس هذه الارض..
ومع ذلك، مازلتُ غير مقتنع بأهمية مهرجان مدائن التراث، لأني لا أقطن هذه الأرض الجرداء، ولا أتحمل العيش في هذه الظروف الصعبة، ثم أنني غير مقتنع بفكرة مساعدة الناس على البقاء في مناطقهم الأصلية.
أظهرُ اليوم بهذه الدراعة البيضاء لأني "دحستكم" بالدراعة الزرقاء..











