غزو تركي مرتقب للجزيرة السورية

سليمان يوسف يوسف

الرئيس التركي (رجب طيب اردوغان ) قبل ايام( 12 ك1)، ادلى بتصريحات قال فيها" بأن تركيا ستبدأ خلال أيام عملية عسكرية لتطهير شرق الفرات" ممن وصفهم بـ" الإرهابيين الانفصاليين". مؤكداً " على أن الولايات المتحدة غير قادرة على إخراجهم . إذن نحن سنخرجهم. فقد بلغ السيل الزبى". وفق العديد من التقارير والمتابعين من الجانب التركي للتطورات على طول الحدود (التركية- السورية) ، الاستعداد (العسكرية واللوجستية) تتسارع وكأن تركيا في سباق مع الزمن للقيام بـ"عملية عسكرية" واسعة في عمق الجزيرة السورية . تصعيد اردوغان، يأتي بعد أسابيع قليلة من اعلان وزير الدفاع الأميركي (جيمس ماتيس)" أن تشييد أبراج مراقبة أميركية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الحدود السورية التركية اتخذ بالتعاون الوثيق مع تركيا ". هذا الاعلان اغضب الاتراك وانتقدته انقرة بشدة على لسان وزير دفاعها (خلوصي أكار) الذي قال  "هذه التدابير ستزيد من تعقيد وضع معقد أصلا.. ". تركيا تدرك جيداً بان إقامة (ابراج المراقبة) هذه هي للحيلولة دون قيام تركيا بتنفيذ تهديداتها المتعلقة بإخلاء الشريط الحدودي من " مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي" ،الذيتعتبره (الذراع السوري) لـ(حزب العمال الكردستاني - pkk)، الذي يخوض "كفاحأً مسلحاً" منذ ثمانينات القرن الماضي لأجل انتزاع حقوق الأكراد الأتراك. باحتلالها لمنطقة (عفرين)، إحدى المقاطعات الثلاث لما يسمي بـ"الإدارة الذاتية الديمقراطية" التي اعلنها (حزب الاتحاد الديمقراطي)، وجهت تركيا "ضربة قوية" للمشروع القومي لأكراد سوريا، الذين وجودوا في (الحرب السورية) فرصتهم التاريخية لتحقيق أحلامهم المؤجلة. تركيا، التي يلاحقها شبح (قضية أكرادها)، تريد توجيه ضربة أخرى قد تكون "قاضية" لـ" قضية أكراد سوريا".إشراك ما يسمى بـ"الجيش الوطني"، الذي شكلته ودربته وسلحته تركيا و يضم  فصائل مسلحة سورية (عربية و اسلامية)، في العملية العسكرية التركية المرتقبة، من شأنه أن يخلط الأوراق في منطقة الجزيرة وتأجيج الحساسيات العرقية والطائفية بين مكونات مجتمعها المتنوع. قد تفتعل تركيا  "نزاعاً عرقياً"بين هذه المكونات، عملاً بسياسة "فرق تسد". لاعتبارات عديدة - باعتقادي هي "اعتبارات مشروعة"- حتى الآن (حزب الاتحاد الديمقراطي ) كان يرفض دخول ما يسمى "بيشمركة روجآفا" الى مناطق سيطرته في الجزيرة السورية . قوات "بيشمركة روجآفا" تتشكل من نحو15 الف مقاتل من (أكراد سوريين) لجأوا للشمال العراقي دربتهم وسلحتهم البشمركة البرزانية. (الأحزاب الكردية السورية) ممثلة بـ( المجلس الوطني الكردي )،المحسوبة على السيد (مسعود البرزاني) والمقربة من تركيا، وجدت في (التهديدات التركية) فرصتها لإدخال هذه القوات الى القامشلي وباقي المدن والبلدات ذات الغالبية الكردية في محافظة الحسكة. إذا صح جلب "بيشمركة روجآفا" الى الجزيرة ، من شأن هذه الخطوة أن تحدث تغييراً كبيراً في المشهد (السياسي والعسكري) الكردي . دخول هذه القوات يندرج ضمن خطة (امريكية – تركية)، تم الحديث عنها مؤخراً،  تقضي بإحداث "توازنات جديدة" شرق الفرات من خلال التخفيف من حضور ونفوذ"حزب الاتحاد الديمقراطي" . أسباب عديدة تدفع بـ(اردوغان) في هذا التوقيت لتنفيذ ما هدد به مراراً(ملاحقة وطرد مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي حتى الحدود العراقية). امتعاض اردوغان من حجم السلاح والتمويل الذي قدمته وتقدمه امريكا لمسلحي هذا الحزب "قوات حماية الشعب" التي تعتبرها تركيا " مجموعات ارهابية" . عدم وفاء الامريكان بوعدهم (إخراج هذه القوات من مدينة منبج). توغل عسكري تركي داخل اراضي سورية جديدة ، سيعطي مزيد من الدور والنفوذ لتركيا في أي (حل سياسي) للأزمة السورية. أردوغان يريد التغطية على إخفاقه في تطبيق الجانب المتعلق بتركيا من "اتفاق سوتشي"، الذي توصل اليه مع الرئيس الروسي بوتين في 17 من ايلول الماضي والذي يقضي بإخراج (هيئة تحرير الشام - جبهة النصرة) ومن معها من فصائل اسلامية متشددة من ادلب. طبعاً، كل هذه الأسباب والدوافع لا تنفي احتمالات وجود "صفقة " بين أنقرة و موسكو، تقوم على تخلي تركيا عن الفصائل المسلحة المرتبطة بها في منطقة ادلب والسماح لقوات النظام بدعم عسكري روسي بالهجوم على ادلب وطرد جميع الفصائل والتنظيمات المسلحة منها وإعادتها الى سيطرة وسيادة الدولة السورية ،  مقابل مباركة (روسية - سورية) لغزو تركي لمناطق شرق الفرات.

أختلف مع من يقول: ( من دون الحصول على ضوء أخضر من واشنطن، اردوغان لن يقوم باي عمل عسكري في منطقة شرق نهر الفرات). باعتبار هذه المنطقة الحيوية من سوريا هي منطقة نفوذ لأمريكا ولها فيها العديد من القواعد العسكرية، و(قوات حماية الشعب) الكردية، المكون الاساسي لـ " قوات سوريا الديمقراطية - قسد " شريك اساسي في (حرب دولية) تقودها واشنطن على(عصابات داعش) . هنا أقول: الادارة الامريكية، أكدت مراراً أن الهدف الأساسي من الوجود العسكري الامريكي في سوريا، هو القضاء النهائي على "داعش"، وهي كادت أن تختفي من المشهد. لا حقاً أضافت ، انسحاب (القوات الإيرانية) من سوريا، والوصول الى (حل سياسي) شامل للأزمة السورية، يضمن (انتقالسلمي للسلطة). في ضوء هذه الاستراتيجية والأهداف الامريكية ، إدارة ترامب،غالباً ستُخيب آمال شركائها (الأكراد)، وتتركهم "لقمة سائغة" لتركيا، مثلما خيب الروس والنظام آمالهم حين غزت تركيا (عفرين) بداية هذا العام . إسراع ما يسمى بـ "المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" الى دعوة (الحكومة السورية) للتصدي لأي عمل عسكري تركي داخل الاراضي السورية، يعكس مخاوف وشكوك حقيقة لدى القائمين على هذه الادارة، من أن (الادارة الامريكية)، التي راهنوا عليها بحمايتهم ودعم مشروعهم، ستتخلى عنهم وتتركهم وحدهم يواجهون العدوان التركي . اردوغان يدرك جيداً ، بأن امريكا لن تصطدم عسكرياً مع حليف استراتيجي لها في حلف الناتو (تركيا) لأجل حليف تكتيكي (أكراد البيدا) في حرب (على داعش)  اوشكت على نهايتها. لهذا، التحذير الامريكي من عملية عسكرية تركية شرق الفرات، لن يردع اردوغان عن القيام بما يراه "دفاعاً عن أمن بلاده" . قد يفكر (حزب الاتحاد الديمقراطي) تسليم المناطق الخاضعة لسيطرته في الجزيرة لـ(لجيش السوري الحكومي) لتجنيبها (مأساة عفرين). هذا ما كشف عنه الرئيس المشترك لما يسمى "مجلس سورية الديمقراطية– مسد " - الجناح السياسي لـ"قسد" - السيد (رياض درار)  بقوله أن " قسد على استعداد لتسليم كامل الشريط الحدودي للجيش العربي السوري" .يُستبعد أن تدخل قوات النظام (شرق الفرات) حتى لو طلبت منها ذلك (قوات سوريا الديمقراطية) ، كونها منطقة نفوذ امريكي و(النظام السوري) غير مرغوب به من قبل الادارة الامريكية.

رأي اليوم 

أربعاء, 19/12/2018 - 10:27