على وقع استهداف المجتمع المدني.. تونس الى أين؟

اسيا العتروس

كثيرة هي المشاهد والاحداث والتطورات المتداخلة في المشهد الراهن في تونس والتي تدفع بنا الى الحيرة والانشغال بعد ثمان وثلاثين عاما على السابع من نوفمبر 1989 الذي ازاح نظام بورقيبة ولكن ايضا بعد خمسة عشرة عاما على سقوط نظام بن علي في 2011.. و في كل الحالات لا يبدو أننا تعلمنا قراءة احداث التاريخ ومحطاته المصيرية.

نقول هذا الكلام ازاء ما يسجل من تضييقات لا حول عمل منظمات المجتمع المدني و لكن أيضا حول واقع القضاء على خلفية الحكم على القاضي السابق والمحام أحمد صواب بخمس سنوات نافذة  وثلاث سنوات اضافية تحت المراقبة الادارية …و خلال أيام تم تجميد الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات لمدة شهر علما وأن لهذه الجمعية دور ونشاط مميز منذ اكثر من ثلاثة عقود في الدفاع عن حقوق النساء وكل مظاهر العنف الذي تتعرض له المرأة و تلا ذلك تجميد لعمل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية  الذي دأب على تقديم دراسات عميقة كان بالامكان الاستفادة منها في مختلف القضايا الاجتماعية, ثم صدر قرار مماثل بتعليق موقع قناة الاعلامية التي دأبت بدورها على القيام بعمل صحفي استقصائي استثنائي في مشهد اعلامي مقيد و محفوف بالمخاطر.. و أخيرا وليس اخرا أعلنت السلطات عن تعليق عمل المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تونس وقبل ذلك تم حل الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية..

و ليس من الواضح ما اذا ستقف القائمة عند هذا الحد أو ما اذا ستتمدد أكثر في الايام القليلة القادمة في ظل التشنج والتوتر الحاصل في بلد يشهد حالة اختناق لا بسبب الانبعاثات الخانقة في مدينة قابس  الغاضبة التي تعاني الامرين بسبب  مصنع الفسفاط  الذي تحول بعد نصف قرن الى ازمة بيئية مستفحلة ناجمة  عن التلوث الصناعي في غياب فشل جهود الصيانة وانعدام الحلول , ولكن أيضا بسبب حالة الاختناق المتمدد  بسبب ما يجري من تكميم للافواه وملاحقة لكل من جاهر بنقد و مخالفة توجهات السلطة الراهنة وخياراتها التي تحتاج اليوم جديا لمراجعات واقعية.. أغلب المنظمات والجمعيات أعلنت التزامها بالقرار الصادر في حقها ولكن في المقابل تمسكت بالطعن في القرار أمام القضاء..

وسيكون من الغباء اليوم الانسياق بشكل أعمى  وراء محاولات تبرير كل ما يحدث بأن ما يجري يتنزل في اطار الحرب المعلنة على الفساد والخونة و المتآمرين الاشرار على الدولة في قضايا اقتصادية وتربوية و اجتماعية و بيئية و غيرها لان ذلك لن يزيدنا الا غرقا في الازمات وهروبا من الواقع  , وفي ظل غياب المعلومة واصرار أصحاب السلطة على الغاء و رفض كل الاجسام الوسيطة و المنظمات و الجمعيات الا من أعلن الولاء المطلق فان موجبات الخوف من مزيد تراجع الحريات الفردية والجمعيات تبقى قائمة و المخاوف من محاكمات تغيب عنها العدالة أيضا و لنا  في حكم الاعدام الذي صدر في حق مواطن بسبب تعليقات فايسبوكية اعتبرت مسيئة لرئيس الجمهورية ما يعزز المخاوف , و قد استوجب الامر اصدار عفو على المواطن المحكوم بالاعدام بعد أن تحولت القضية الى قضية رأي عام و تناقلتها مختلف وسائل الاعلام الدولي ..

قرارات جعلت المرصد الاورومتوسطي لحقوق الانسان يصدر بيانا ينتقد ما يجري في تونس من استهداف للحريات ..وقبل أيام وقع مأتي أستاذ جامعي من أساتذة القانون  وقضاة ومحامون ، رسالة تضامن مع القاضي السابق والمحامي أحمد صواب، الذي صدر بشانه حكم ابتدائي يقضي بسجنه خمس سنوات مع إخضاعه للمراقبة الإدارية طيلة ثلاث سنوات و عبروا في الرسالة عن  “صدمتهم العميقة إزاء ما شاب محاكمة أحمد صواب من خروقات جسيمة لأبسط معايير المحاكمة العادلة”… صواب رجل قانون عرفه التونسيون قبل وبعد الثورة بمواقفه  المناصرة للحريات وللشباب استعمل تعبيرا مجازيا  في وصف القضاء وهو بلباس المحامي فلاحقته اتهامات بالارهاب علما وأن المحاكمة تمت  دون حضور المتهم و استمرت سبع لتنتهي بحكم يقضي بسجنه خمس سنوات مع النفاذ، تليها ثلاث سنوات مراقبة إدارية… المشهد مثقل بالاحداث التي باتت تشغل الرأي العام في واحدة من اخطر القضايا الراهنة والمعروفة بقضية التامر التي يحاكم فيها عدد من السياسيين منذ ثلاث سنوات وبين هؤلاء استاذ القانون جوهر بن مبارك نجل أحد النشطاء السياسيين في عهد الرئيس بورقيبة والذي يخوض اضراب جوع وحشي منذ أيام ويبدو حسب تصريحات عائلته ومحاميه أنه في حالة صحية حرجة و أنه يرفض التراجع عن اضراب الجوع  مخيرا الموت بكرامة على حياة الذل على حد تعبير محاموه..

ويطالب بمحاكمة علنية وعادلة.. المشهد في تونس يدعو فعلا للحيرة و موقف السلطة الرسمية الرافضة لاي حوار والمناهضة للاجسام الوسيطة من جمعيات ونقابات  وشيطنة الجميع تدفع الى تصحيرالمشهد وقناعتنا أنه كان بالامكان تفادي الكثير من الصراعات والازمات لو توفر الحد الادنى من الوعي والارادة السياسية و بعد النظر للخروج من دائرة الرغبة في  التشفي والانتقام من الماضي والاصرار والهروب من الحاضر والمستقبل.. الى أين تتجه تونس؟ سؤال كان و لا يزال حاضرا في الاذهان وسيتعين على سلطة  الرئيس قيس سعيد التعاطي مع كل القضايا الشائكة ووضعها تحت المجهر والبحث عن حلول واقعية بدل الاوهام .. في السابع من نوفمبر 1987 ازاح الرئيس بن علي الزعيم بورقيبة من السلطة و حكم البلاد طوال ثلاث وعشرين عاما قبل أن تعصف به ثورة 2011 ..اليوم بعد ثمان و ثلاثين عاما وبعد خمسة عشرة سنة على احداث 2011 و سقوط نظام بن علي وهروبه الى السعودية حيث سيتوفى هناك لا يبدو أننا قرأنا الاحداث ووقفنا عند دروس تاريخ المرحلة وتحدياتها وأسباب تعثر الانتقال الديموقراطي والفشلفي النهوض بالبلاد واصلاح ما يستوجب الاصلاح والقضاء على الفساد والارتقاء بالبلاد.. والاكيد أن سلسلة من الاخطاء والحسابات الكارثية وعقلية الغنيمة وغياب عقلية المحاسبة والمسائلة ومراجعة الاخطاء والانسياق وراء الاقصاء والاجتثاث ساهمت في الغاء المصالحة الوطنية من القاموس السياسي وانتهجت بدلا من ذلك سياسة الشيطنة والانتقام والتشفي …

نقلا عن رأي اليوم

جمعة, 07/11/2025 - 15:51