في حضرة الصين.. عندما يتخلى ترامب عن ديبلوماسية التقزيم

اسيا العتروس

ساعة وأربعين دقيقة هي مدة اللقاء الذي جمع الرئيس الامريكي دونالد ترامي و تشي جنغ بينغ نظيره الصيني على غير ما توقعه ترامب الذي سبق وأعلن أن اللقاء يمكن ان يستمر بين ثلاثة وأربع ساعات ..اللقاء الذي وصف بالتاريخي انعقد في القاعدة العسكرية الامريكية جيمهاي الجوية بمدينة بوسان في كوريا الجنوبية ومثل هذه اللقاءات لا مكان للصدفة فيها وكل الاخيارات مدروسة بدقة عندما يتعلق الامر بالقوتين الاقتصاديتين المتنافستين في العالم ..
أول الملاحظات أن الصين كسبت الرهان الديبلوماسي و الاعلامي وفرضت نفسها في موقع الند للند مع المنافس الامريكي واختفت محاولات ترامب لتقزيم الرئيس الصيني كما دأب على ذلك مع الكثير من قادة العالم .. لم يجازف ترامب بالقاء تصريحاته الاستفزازية و يبدو أنه خبر معدن السياسيين الصينيين الذين نهلوا من ثقافة وحكمة الكونفيسوش فلم يجازف بتجاوز خطوط الديبلوماسية و تعاطى مع نظيره باحترام الاصول المتعارف عليها ..في حضرة الصين لا يسمح ترامب لنفسه بالمجازفة واثارة زعيم بلد المليار والنصف نسمة ..في حضرة الصين أظهر ترامب لباقة غير مسبوقة و دراية بالبروتوكولات و الاعراف الديبلوماسية واحترام الاخر الذي طالما تجاوزه ..
في جولاته الاسيوية لا يتخلف الرئيس الامريكي عن التذكير بالقواعد العسكرية الامريكية في اليابان وكوريا الجنوبية أساسا أعين أمريكا على كل المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية ..
في حضرة الصين تتغير قواعد اللعبة الاعلامية الدعائية والرسائل السياسية و البهلوانيات ولا يمكن للرئيس الامريكي أن ينفرد بالمسرح أو يكون المهيمن على المشهد بتصريحات شعبوية مثيرة قد تفتقر في احيان كثيرة لابسط قواعد الديبلوماسية كما عرف عنه في مختلف اللقاءات والقمم التي حضرها واخرها قمة شرم الشيخ لتوقيع اتفاق انهاء حرب الابادة في غزة وما بدرعنه من تعليقات ليس هذا مجال استعراضها ولكنها تعليقات ساخرة ومهينة توجه بها لعدد من قادة العالم خلال القمة حيث كان ترامب يصرعلى الظهور بمظهر المتحكم في اللعبة ..ولكن وجب الاشارة وهنا أحد أهم دروس الديبلوماسية أن ترامب لا يملك الا أن يحترم منافسه و أن يتعامل معه دون استخفاف أوتهريج حدث ذلك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغم الاختلافات العميقة بينهما و حدث مع الرئيس الصيني شي جين بينغ رغم الحرب التجارية المعلنة بينهما .. احترام الخصم أو المنافس أو العدو مسألة تفرض نفسها عندما يكون ثابتا في مواقفه لا ينحني ضعفا امام مخاطبه وله القوة والحضور والارادة التي تجعله في موقع رجل الدولة المدافع عن راية بلاده ومصالح شعبه الانية والمستقبلية
لقاء المائة دقيقة وصف بالأكثر حساسية في العلاقات الأمريكية الصينية و قد تابعته مختلف المحطات التلفزية و المواقع الالكترونية وغيرها في انتظار أن يتوج اللقاء بندوة صحفية و تصريحات للرئيسين الامريكي و الصيني حول أهم المخرجات و لكن ذلك لم يحدث فقد غادر ترامب الى واشنطن مكتفيا بالقول أن “الرئيس الصيني مفاوض صعب للغاية وأنهما يعرفان بعضهما بعضهما البعض جيدا ” مكتفيا بهذا الحد من جولته التي كان ترامب يؤمل في أن تشهد أيضا لقاء مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اونغ ..أما الرئيس الصيني شي جين بينغ فقد انصرف لحضور اشغال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لاسيا والمحيط الهادي “ابيك”الذي يجمع وفودا من واحد وعشرين بلدا ..
اللقاء تم بحضور وزير الخارجية الامريكي ماركو روبيو ووزير الخزانة سكوت بيسنت ووزير التجارة هاورد لوتنيك.ومن الجانب الصيني، شارك في المحادثات وزير الخارجية وانغ يي ووزير التجارة وانغ وينتاو، ونائب رئيس مجلس الدولة هي ليفنغ.
من الواضح أن الصين التي دأبت طوال عقود على التسويق بأنها تنتمي للعالم الثالث تفرض نفسها اليوم كقوة اقتصادية تتعامل وفق سياسة الند للند مع الولايات المتحدة ..طبعا لا يعني هذا الحضور الصيني الافت أن بيكين لا تواجه أزمات تجارية و اقتصادية معقدة على وقع الحرب التجارية المعلنة بين واشنطن وبيكين وبين واشنطن والكثيرمن دول العالم على وقع الحرب التجارية أو حرب الاداءات الجمركية التي فرضها ترامب مع انطلاق ولايته الرئاسية الثانية ..
ولعله من المهم الاشارة الى أن ترامب استبق لقاءه مع الرئيس الصيني بالاعلان عن اختبارات نووية جديدة على أساس المساواة مع روسيا والصين، في رسالة لا تخفى على مراقب بأن السباق النووي مستمرو أن المطلوب ضمان التفوق الامريكي في هذا الشأن ..
لا خلاف أن لقاء دونالد ترامب وشي جينغ بينغ سبقه لقاء المفاوضين التجاريين من أكبر اقتصادين في العالم قد توصلوا إلى توافق أساسي بشأن الملفات التجارية والاقتصادية والامنية والعسكرية العالقة ..والارجح أن عدم التطرق الى مسالة تايوان وهي مسالة حساسة جدا بالنسبة للصين تم بناء على توصيات المستشارين الذين يدركون جيدا الموقف الصيني من تايوان وسياسة الدولة الواحدة أو صين واحدة و هو المبدأ الذي كانت واشنطن أعلنت بمقتضاه علاقاتها الديبلوماسية مع الصين ..
من الواضح أننا ازاء لقاء ستتلوه لقاءات أخرى فقد أعلن ترامب أنه سيزور الصين في أفريل القادم ..وفي طريق العودة قال ترامب للصحافيين “أعتقد أن الاجتماع كان رائعا”، مضيفا أن الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية من المقرر خفضها من 57% إلى 47%. مقابل تخفيف القيود الصينية على تصدير المعادن النادرة، وهو قطاع تهيمن عليه بكين عالميا..و في انتظار اللقاء القادم في بيكين فان الاسابيع و الاشهر القادمة و حدها يمكن أن تؤكد أو تنفي حصول تقدم في المفاوضات وأولها الحرب التجارية بين العملاقين الاقتصاديين المتنافسين على مد نفوذهما و هيمنتهما على الاسواق العالمية بما في ذلك اسيا و افريقيا ..و سيتعين عدم اغفال مسألة مهمة فقد ظلت الصين بندا دائما في مختلف قمم الحلف الاطلسي بالنظر الى ما تمثله من تهديد أمني كما ايران و كوريا الشمالية و روسيا بالنظر الى تطور صناعتها العسكرية بشكل متسارع ..
صحفية وكاتبة تونسية
نقلا عن رأي اليوم

جمعة, 31/10/2025 - 15:27