في كتابه “أيام لا تُنسى” كتب المؤرخ الأردني سليمان موسى عليه رحمة الله، إشادة بأبطال الجيش العربي في حرب عام 1948، على أرض فلسطين المقدّسة، اقتبس منها ما يلي:
“هؤلاء الرجال الذين واجهوا الموت في سبيل الوطن، ماذا قدّم الوطن لهم بالمقابل؟ وتكشّفت لي جراح واوجاع نفسية. كثيرون كانوا يشعرون بأن الوطن أهملهم ونسيهم. كثيرون تردّدوا في الحديث إليّ، لاعتقادهم أن الوطن لم يعد يسأل عنهم ويهتم بهم. والآن أراني أقول: ما أجدر هؤلاء الأبطال بمزيد من الاهتمام والعناية. هؤلاء الذين حافظوا على شرف الوطن في أيام الخطر، حينما كنت أنا وأمثالي بعيدين عن الخطر.
وأنتم يا إخواني جنود الجيش العربي وضباطه:
لقد عشت معكم سنوات غالية من عمري، وأن أتابع الهضاب الوعرة، التي قطعتم دروبها خطوة خطوة، عشتها معكم. كنت شاهدا على الدماء التي نزفت وبلّلت تراب الأرض، على الجراح التي أصابتكم هنا وهناك، على الآلام المبرحة، على العرق والدموع التي سكبتموها، على التأوهات الحزينة والأشواق الضائعة. كان هدفي أن أعطيكم بعض حقكم، لأن الذي أعطيتم – مهجكم العزيزة وأرواحكم – أكبر وأعظم من أن يُوفى حقه كاملا. كنتم المثل الأعلى للمحبة، التي تُعطي بسخاء وعن طيبة خاطر، تعطي كل شيء دون أن تأخذ شيئاً.
وكيف أستطيع أنا أو يستطيع غيري أن يرد لكم جميلكم؟ أنتم الذين وقفتم في وجه الموت، أنتم الذين ألقيتم بأنفسكم في لجّة النار. ماذا يستطيع الوطن أن يصنع لكم ؟ أنتم الذين سهرتم وشقيتم، بينما كان غيركم يغطون في النوم. على هذه الصفحات احمل لكم اعتراف الوطن بجميلكم، لكي يبقى ذلك الاعتراف ما بقيت الكلمة شاهدا لكم علينا، نحن الذين لم يكن لنا الشرف الذي نلتم : أن نحمل السلاح ونحارب الغزاة. فلتكن الليالي الطويلة التي سهرتُها في رسم هذه الكلمات، باقة حب بين أيديكم. وليكن هذا الكتاب شاهد حق مع أبنائكم وأحفادكم، لكي يقول كل واحد منهم بفخر ( كان أبي جنديا من جنود الجيش العربي ) “. انهى الاقتباس.
* * *
التعليق : نعم أيها المؤرخ القدير . . أخاطب روحك الطاهرة وأقول : لقد أديت الأمانة بشهادتك الصادقة، عما قدّم الجيش العربي الأردني في حرب عام 1948 دفاعا عن أرض فلسطين المباركة. وقد سار على دربهم خلفاءهم من أبطال الجيش العربي الأردني في العقود الثلاثة اللاحقة، وخاضوا اشتباكات متفرقة مع العدو الإسرائيلي على أرض فلسطين، من بينها معركتي قبيه والسموع وغيرها من المعارك، وكذلك في معركة الكرامة والمشاركة في حرب أكتوبر على أرض الجولان المحتلة، إضافة إلى العمليات الأمنية في مختلف أرجاء الوطن.
ولو قُدرّ لك أن تعود إلى الحياة أيها المؤرخ الأمين، فماذا يمكن أن تكتب عن حالنا اليوم، عندما تشاهد بعض المحاربين القدامى، الذين قدموا أرواحهم فداءً للوطن خلال العقود الأخيرة، بأنهم لم يهملوا وينسون فحسب، بل أن بعض المسؤولين الذين لم ينالوا شرف الدفاع عن الوطن – يعتبرونهم عبئا على الوطن. ونكاية بهم ستجد من وقفوا بوجه الدولة وقادوا المظاهرات، أومن كان محكوماً بالسجن منهم، أو من كانت خدماتهم معدومة تجاه الدولة من ذكور ونساء يُكرّمون بأعلى المناصب، بينما الذين قدموا أرواحهم فداء الوطن يهملون ويُحاربون. وذنب أولئك المحاربين القدامى، أنهم ليسوا من رواد المقاهي، أو من المشاركين بسهرات ليلية معينة، أو أعضاء في شلل بعض المسؤولين. ولهذا ستجدهم “كالكرام على مائدة اللئام”.
ولكي لا يعتقد البعض أنني أسعى للحصول على وظيفة معينة، أقول له: إن هذا الطموح قد فاته أوانه بعد أن بلغت من العمر عتيا، ولم يعد لي طموح بأية وظيفة دنيوية. كما أنني والحمد لله بوضع صحي ومالي جيد وأطلب من الله تعالى حُسن الختام، ولا أطلب منهم مالا.. ولا أريد أن يطعمون. وإنما هي غصّة في الصدر تبعث على الضيق، أردت أن أعبّر عنها بعد مشاهداتي لتلك الممارسات الخاطئة من بعض كبار المسؤولين، علّهم يعقلون!
رحم الله جميع الشهداء الذين دافعوا عن أوطانهم ضد العدو الغاصب، ورحم الله المؤرخ الوطني سليمان موسى، الذي وثّق المعارك التي خاضها الجيش العربي عام 1948 في فلسطين.
فريق ركن متقاعد / الأردن
رأي اليوم