في ظل المشهد الداخلي المتأزم في سورية تستمر إسرائيل بفرض مشاريعها وتنفيذها على الجغرافية السورية سابقا تحت ذريعة محاربة ايران وحاليا تحت مسمى تحييد أجهزة تجسس تركية موجودة في منطقة الكسوة حيث تمت عمليات القصف والانزال الاسرائيليين ، في خطوة ترى فيها إسرائيل أبعد من ذلك بكثير حيث كان هناك العديد من الأصوات السياسية والامنية لإسرائيل ترى في هذا الاعتداء الوحشي على سورية ضرورة ملحة لفرض وتكريس واقع أمني كانت قد طالبت فيه عبر الاجتماعات السبع الحاصلة بين الكيان والادارة السورية المؤقتة المتمثل بجعل الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح وهذا ما يتم التصريح به جهاراً من قبل قادة إسرائيل.
اما الجديد في هذا الاستهداف رغم الاعتداءات الشبه يومية على سورية أن إسرائيل نفذت عدوانها في هذه المنطقة الواقعة على مقربة جدا من العاصمة دمشق مما يجعل العاصمة خاضعة لطوق أمني اسرائيلي ، وهذا التوسع يجب أن يكون مقلقا جدا، فإسرائيل التي ترى في سورية الضعف الكبير وعدم امتلاكها للقوة اللازمة للرد والردع إضافة إلى الوضع الداخلي المعقد والمتأزم تجد فرصتها في انتزاع أهدافها بالقوة وفرض واقع أمني وعسكري جديدين على الجغرافية السورية قبل الذهاب إلى توقيع اتفاق أمني مع الادارة السورية المؤقتة وهذا الاتفاق يتعارض مع رغبة قيادات داخل الكيان ويرون أن هذا الاتفاق يخدم الطرف الضعيف وليس القوي وعليه فإن فارق القوة الكبير بين إسرائيل وسورية يجعل من الذهاب لهكذا اتفاق يقيد حالة الاستعمار والتمدد والتوسع داخل الجغرافية السورية مسخرة واقع البيت الداخلي السوري المتأزم لصالح اجندتها .
أما بالنسبة للمتكئين والمراهنين على الادارة الأمريكية وانها تدير عملية التفاوض بين الجانب الاسرائيلي والسوري لناحية ارغام إسرائيل على توقيع اتفاق أمني مع سورية ضمن ما يتم التصريح به من قبل الادارة الانتقالية اقول انتم واهمون فأمريكا ستفاوض لأجل حفاظ إسرائيل على كل سنتمتر احتلته حديثا فأمريكا أكثر حرصا على آمن إسرائيل من إسرائيل نفسها، وسيكون التوقيع على الواقع الراهن على الأرض .
أما على مستوى الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة فكان هناك اعلان من قبل أحد الساسة الإسرائيليين الكبار عن بدء التحضير لعقد مؤتمر يعد الأول من نوعه ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية تحت عنوان مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط ، وهذا المؤتمر سيسخر الجانب الاسرائيلي الكثير من الامكانيات لانجاحه وضمان مشاركة قوى فاعلة ولن يكون مؤتمراً عادياً ، من يعرف العقل الاسرائيلي وآليات التفكير والتخطيط لديه وانه يضع خططه لسنوات قادمة يدرك تماما خطورة المرحلة التي بدأت شرارتها من سورية مسخرة المجازر الحاصلة بحق أبناء السويداء والساحل السوري وفشل توصل الادارة الجديدة لاتفاق مع قوات سورية الديمقراطية كغيرها من باقي المكونات كأجندة تعبر من خلالها لتشمل كل منطقة الشرق الأوسط ذات التنوع الديني والمذهبي والقومي المشابه للنسيج السوري ، وبما أن منطقتنا غنية بالأحداث والخلافات الداخلية سيكون من السهل تسلل إسرائيل لداخل هذه الدول التي ترى في ضعفها وتقسيمها وشرذمتها مصلحة لتعزيز أمنها القومي وهذا يعني أن منطقة الشرق الأوسط برمتها في دائرة التخطيط الاسرائيلي القادم حيث لا مكان للدولة الوطنية فيه وهذا مشروع أمريكي بامتياز ولنا في رؤية رالف بيترز المعروف بحدود الدم قراءة أصبحت واقع على الأرض السورية .
وفي الخلاصة :
لا أحد يستطيع أن ينكر حالة التعقيد التي تعيشها الساحة السورية بملفاتها المتنوعة وعلى كافة المستويات دون احراز اي تقدم يسد الثقوب السوداء الحاصلة بين الادارة المؤقتة وبقية مكونات الشعب مما جعل من أحداث الاشهر الأخيرة وعدم وجود رؤية للحد من كل الجرائم والانتهاكات المستمرة بحق مكونات وأشخاص من الشعب السوري ، يجعل القضية السورية على طريق التدويل حيث سيتم التعامل مع سورية كدولة فاشلة في البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأهم الأمني ويفتح الباب على مصراعيه للتدويل وهذا ما لا يقبله محب لوطنه .
كاتبة وباحثة في العلاقات الدولية – بيروت
نقلا عن رأي اليوم