"كان نواة المسرح".. الحكواتي اختفى من شوارع الجزائر

لا يزال فن الحكواتي في الجزائر يصارع الزمن ليصمد أمام المد التكنولوجي وآثاره السلبية على الأطفال.

ورغم اختفاء هذا الفن من الشوارع والأماكن العمومية، غير أن قلة من الحكواتيين باتوا يسترقون أوقاتاً من المناسبات لإحيائه والالتقاء بجمهورهم، خاصة من صغار السن.

قراءة وحفظ واقتباس
وتم تنظيم معرض لكتاب الطفل في العاصمة الجزائر، حيث تقدم مختلف دور النشر عناوين موجهة للأطفال من قصص وكتب تاريخية وتربوية.

فيما اتخذت السيدة حفصة، الملقبة بـ"راوية"، ركناً من المعرض لتقص عشرات الحكايا للأطفال الذين كانوا يلتفون حولها، ينصتون لها باهتمام شديد، ويتفاعلون مع كل كلمة تقولها.

وقالت "راوية"، الحكواتية منذ 15 سنة، إنها تحب التواصل مع الأطفال عبر كل القنوات، من خلال الحكايا، أو الورشات، سواء كانوا أصحاء أو مرضى، لافتة إلى أن "تعليمي الأكاديمي في الأنفوغرافيا، وأعمل في المكتبة الوطنية الجزائرية".

كما أضافت لـ"العربية.نت": منذ كنت صغيرة وأنا أقرأ الكتب محيطة بي، حتى إنني أحفظ 500 حكاية، وأقتبس قصصاً أطبقها على الواقع المعيش، خاصة أن طفل اليوم اختلف عن طفل الأمس".

الهواتف الذكية ومنصات التواصل
أما عن طريقة إيصال رسائلها التربوية فأوضحت "راوية" أنه "بالنسبة للغة أحاول دائماً معرفة جمهوري من الأطفال، إن كانوا من المدن أو الأرياف، كي أستعمل لغتهم. أما بالنسبة للمضمون، فحكاياتي كلها مقتبسة من التراث وقصص عالمية كثيرة، حتى إنني تصرفت في المعنى العام لبعضها لكي أجنب الأطفال أي رسائل يمكن ألا تلائم سنهم".

وعن انغماس الأطفال في الهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية وتركهم للقراءة، بينت أن "الهاتف لا يعلّم الكثير خاصة لمن لا يحسن استعماله. أما القصص التي أحكيها فهي للعبرة، وأدمج الأغاني في أذهانهم كون ألحانها خفيفة".

فيما كشفت أنها حاولت دخول عالم وسائل التواصل "لكن في النهاية أعتقد أنني لا أستطيع أن أحكي دون أن أرى وجوه الأطفال أمامي، وتفاعلهم مع قصصي وتساؤلاتهم"، مشددة على أنها تحب أن تشاهد في أعينهم الفرحة والانتباه والاستغراب وكل التعابير.

"الاستعمار الفرنسي"
من جهته، صرح الكاتب والمختص في التاريخ، أسامة صالح بأن "الحكايا الشعبية وفن الحكواتي من أقدم الفنون في الجزائر، حتى إنه كان نواة المسرح". ولفت صالح لـ"العربية.نت" إلى أنه "إبان الاستعمار الفرنسي، خاصة الثورة التحريرية 1954-1962، كان الحكواتيون يضمنون قصصهم رسائل سياسية، لكن العملاء الذين يتقنون العربية كانوا يكشفون أمرهم للاستعمار الفرنسي".

كما مضى قائلاً: "لطالما تفاعل الحكواتي مع الأحداث التي تحيط به، سواء بالنسبة للذي يستهدف الأطفال من خلال تجنيبهم العادات والظواهر السلبية، أو الكبار من خلال الإشارة إلى الأحداث السياسية والوطنية".

أما عن الأمكنة التي يفضلها الحكواتيون فبيّن أنهم "يستهدفون الأماكن العامة، مثل الأسواق والساحات العمومية والمقاهي الشعبية، ويتميزون بالجرأة وقوة الطرح، خاصة أنهم مثل الممثلين المسرحيين يتميزون بالحضور القوي أمام جمهور من الناس، مختلف الشرائح والفئات".

"علاج نفسي واجتماعي"
من جانبه، شرح المختص في الصحة العمومية، محمد كواش، بأن "الحكواتي فن يقوم أساساً على قواعد اجتماعية وثقافية سليمة وتربوية، ويعتبر علاجاً نفسياً واجتماعياً، فضلاً عن كونه يبعد الأطفال عن العادات السيئة". وأضاف كواش لـ"العربية.نت" أن "الهدف من الحكواتي هو تنوير الرأي العام، وتثقيف الجمهور"، لافتاً إلى أنه "يحمل معاني إنسانية وقيما وسلوكات تربوية، معتمداً على الرسالة الصارمة من جهة، وعلى الهزل من جهة ثانية".

كما أردف أنه "كان يحقق اللحمة بين أفراد الأسرة والعائلة الواحدة، في زمن يعرف بالانفصال الناجم عن مواقع التواصل".

نقلا عن العربية نت 

خميس, 14/08/2025 - 13:22