إلى متى سنظل دمية في يدهم؟

 علي محمد فخرو

منذ أكثر من قرن والعرب ليسوا أكثر من دمية في يد بعض، أو كل القوى الاستعمارية الغربية، تقرّر أنواع كياناتهم ومقدار المسموح به من استقلالهم الوطني والقومي وطبيعة الأيديولوجيا السياسية والاقتصادية، التي يطمحون إلى أن يطبقوها في واقعهم. اليوم انتقلوا إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير، فهم يقررون ما هو مسموح به من أحزاب، يوافقون على وجود هذه، ويصرّون على زوال تلك. فالأحزاب ملكهم وليس ملك المواطنين العرب الذين كافحوا سنين من أجل إنشائها.
وهم يقررون نوع الأسس والممارسات الديمقراطية المسموح بوجودها في هذا القطر أو ذاك، وهم في هذه اللحظة يقررون مصير الجامعة العربية، التي بالنسبة لهم لا تضمّ دولاً يرغبون في أن تكون من ضمن أعضائها، ولذلك يتحدّثون عن بناء تكتل إقليمي آخر، يضمّ على الأخص الكيان الصهيوني. وهم يقررون الحدود الجديدة لأي قطر عربي يشاؤون، مثلما يفعلون في هذه اللحظة بالنسبة لسوريا والسودان ولبنان والعراق واليمن والأردن وليبيا، على سبيل المثال. وهم يناقشون في هذه اللحظة ما سيسمح به، أو ما لن يسمح به في تفاصيل المناهج المدرسية العربية.. وهم يضعون تعاريف جديدة لكلمات المقاومة والجهاد والتحرّر، وكل كلمة لا تتلاءم مع أهدافهم الاستعمارية الحاضرة والمستقبلية.

وبالطبع فإن كل ذلك لن يؤدي فقط إلى رجوع الاستعمار السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي الغربي إلى كل أرض العرب، بل وبالأهمية نفسها، سيؤدي إلى الاندماج الكامل للكيان الصهيوني في الجسم العربي، وسائر الحياة العربية اليومية المعيشة. نحن إذن أمام وضع جديد خطر بكل معنى الكلمة، مهما حاول البعض تبريره أو التخفيف من مخاطره الكبرى، ومهما حاول البعض أن يصفوه بأنه مشابه لكثير من أوضاع العالم، التي يعيشها اليوم. إذ لا توجد في هذه اللحظة منطقة أخرى تواجه الأوضاع الكارثية نفسها، التي تواجهها الأمة العربية، ولا تواجهها بمثل المواجهة المتشرذمة الضعيفة الحائرة، العربية. سنكون مخطئين إن لم نواجه هذا الوضع بأمانة وصدق وعزيمة، غير منافقة وغير مخادعة للنفس، ومبنيّة في الأساس على تضامن وتنسيق وتوحيد عربي، في شتى المجالات وعلى كل المستويات، ومن قبل سلطات الدول وأنظمتها من جهة، ومؤسسات المجتمعات المدنية العربية من جهة أخرى.
لقد قلناها ونقولها للمرة الألف، هناك في هذه اللحظة طريقان يحتاج العرب أن يسلكونهما. الأول قيام بعض الحكومات العربية باقتراح أن تقوم جامعة الدولة العربية بالمبادرة، لوضع استراتيجية إنقاذية تضامنية عربية، قابلة للتفعيل في الواقع الرسمي العربي، ومن ثم الواقع المجتمعي العربي. وتستطيع أن تستعين الجامعة ببعض المفكرين والمثقفين النشيطين الملتزمين، للمساعدة في وضع تلك الاستراتيجية، أو بمجموعة من مراكز البحوث العربية المشهود لها بالحيوية والالتزام القومي العروبي. ما ستفعله الجامعة سيكون مماثلاً لما فعلته في الماضي، عندما واجهت الأمة أوضاعاً بالغة الصعوبة والتعقيد، خصوصاً في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وواجهت الاستعمار عند ذاك بقوة وعزيمة موحدة.
أما الطريق الثاني فهو عمل بعض قوى المجتمع المدني العربي على تكوين كتلة شعبية تضامنية تنسيقية نضالية عربية، من مجموعة كبيرة من المؤسسات المدنية العربية العاملة والنشيطة في شتى الأقطار العربية. وقد كتبنا عن ذلك الطريق عدة مرات، وهو مطروح منذ أكثر من ثلاثة عقود. ويستطيع ذلك التجمع العروبي النضالي أن يكون منطلقه الأساسي الشعارات الستة، التي رفعها المشروع النهضوي العربي. هناك بالطبع تفاصيل كثيرة أخرى من أجل السير في الطريقين، لا يسمح المجال ومحدودية المقال الدخول فيها.
سينبري البعض بوصف ما نقوله بأنه إعادة وتكرار لكلام قيل في الماضي، لهؤلاء، الذين لا يقدمون أية حلول، وكل ما يفعلونه هو الاستهزاء بأية قوى مناضلة ومقاومة ومتمردة، سنقول لهم إن أرواح الملايين العرب الذين ماتوا عبر التاريخ في سبيل حماية ونهضة أمتهم، ومقاومة أعدائها بكل أشكالهم وألوانهم، إن أرواحهم يجب أن لا تذهب سدى، وإن تكريمها هو السّير في الطريق البطولي النضالي المقاوم الذي سارت تلك الأرواح فيه بكل شجاعة وتضحيات. ما تحتاجه الأمة هو رفع المعنويات والتأكيد أن مؤامرات الاستعماريين سيكون طريقها إلى مزابل التاريخ. أما كفاح الأمة فسيبقى في سمو عليائه. دعنا نتذكّر ما قاله ماركوس أوريليوس لنفسه في القرن الثاني بعد الميلاد: «لا تضع بقية وقتك في قلق بشأن الآخرين، إلا إذا كان له تأثير على الصالح العام».

نقلا عن القدس العربي

خميس, 17/07/2025 - 16:15