الحديث كثير هذه الأيام عن نوع من الاتصال بين موريتانيا وإسرائيل، والجميع يعلم أن بلادنا تحت ضغط كبير ومتسمر من رعاة التطبيع الجدد، لكنها إلى وقت غير بعيد كانت تقاوم تلك الضغوط.
مواقف الرئيس والحكومة مع غزة وفلسطين جميلة وفريدة عربيًا وتستحق التقدير والثناء، وبالنسبة لي، لا أصدق حتى الآن، المزاعم بلقاء الرئيس أو وفود موريتانية بشخصيات رسمية صهيونية، ولكني أعلم أن الضغط متواصل ويشتدّ يوما بعد يوم، وأعلم أن قدرة بلادنا على الصمود في وجهه قد تكون لها حدود.
عندما زعمت وسائل إعلام مرتبطة بموجة التطبيع الجديد ووسائل إعلام أمريكية أن الرئيس التقى بمجرم الحرب نتنياهو أخذ الأمر صدى كبيرًا وزمنا طويلا نسبياً دون رد رسمي من الدولة. ربما يكون الأمر برمته تشويًها مقصودا من تلك الجهات بعد رفض موريتانيا التطبيع وربما يكون نوعًا من التمهيد والتعويد على ذلك حتى إذا وقع كانت النفوس قد اعتادت ذكره حتى طبّعت معه.
وعندما جاء الرد الرسمي على هذه الأحاديث أتى في شكل تصريح خاص من الناطق باسم الحكومة لوكالة الأخبار ينفي لقاء الرئيس ومجرم الحرب.
هذا النفي غير كاف، لعدة أمور:
1- من الناحية البروتوكولية، الشؤون الرئاسية ينبغي أن يتحدث باسمها الأمانة العامة للرئاسة أو الديوان أو المكتب الإعلامي للرئاسة. لأن العلاقات الخارجية من شؤون الرئاسة وليس للحكومة فيها نفوذ ولا صلاحية حقيقية. ولهذا فإن إسناد نفي نشاط رئاسي خارجي إلى الناطق باسم الحكومة فيه تنزيل لمستوى النفي وكون هذا النفي جاء بشكل تصريح خاص لوسيلة إعلام غير رسمية هو تنزيل آخر للمستوى.
2- الحديث كثير عن أنواع متعددة من الاتصال بين موريتانيا والكيان الصهيونى، لكن النفي اختص بنوع واحد هو لقاء الرئيس بمجرم الحرب نتنياهو، وبالتالي فإن النفي خاص لا عام، وهذا مقلق.
إن مثل هذه القضايا ينبغي ألا يستهان بها، فهي متصلة بالأمن القومي للوطن وبالاستقرار والسلم الأهلي، وقبل ذلك هي متصلة بالدين والإيمان والعقيدة ونصرة المسلمين والمقدسات.
أرى أن التعاطي الصحيح مع هذه القضية هو صدور بيان من الرئاسة (الأمانة العامة أو الديوان أو المكتب الإعلامي) أو على الأقل بث خبر عن مصدر في الرئاسة عبر وسيلة إعلام رسمية (التلفزيون، الوكالة، الإذاعة) ينفي وجود أي نوع من أنواع الاتصال بين بلادنا وبين كيان الصهاينة، ويؤكد ثبات الموقف الموريتاني في هذه القضية، ويمكن للبيان أن يستظل بظل المبادرة العربية التي تقودها السعودية، فهي خير من التطبيع المجاني الذي تنشط فيه قوى عربية هذه الأيام تحت غطاء "اتفاقيات أبراهام".