في ظل استبداد المؤسسة السياسية وقهرها للشعوب العربية والإسلامية ، وكذلك تظليلها من قبل المؤسسة الدينية العقيمة التي استطاعت أن تخدر شعوب الأمة بسفاسف الأمور، الذي نتج عنه جمودًا فكريًا وخنوعًا وذل والتي لم تدرك حجم المخاطر والمؤامرات التي تحاك ضدها، وفي ظل هذا التخلف والتشرذم في هذه الأمة ظهر على العلن المخطط الإسرائيلي لتمرير مشروع (إسرائيل الكبرى)، وهي خدعة تتمحور حول إقامة دينًا واحدا تحت سقف (الدين الإبراهيمي الخدعة الكبرى)، من خلال هذا المخطط اليهودي الصهيوني تزال فيه كل الحواجز وتمسح فيه الحدود العقائدية وتصاغ فيه ديانة جديدة لا هي الإسلام ولا المسيحية ولا اليهودية بل مزيجٌ مُهجن تحت اسم (الديانة الإبراهيمية).
في السنوات الأخيرة بدأت تطرح على الساحة الفكرية والسياسية مصطلحات جديدة (الديانة الإبراهيمية أو الاتفاق الإبراهيمي) في محاولة لإعادة تشكيل العلاقة بين الأديان أو الشرائع الثلاثة التي تعترف بسيدنا إبراهيم، الإسلام والمسيحية واليهودية، يعتبر هذا قاسم مشترك تحت ملة واحدة، ملة السلام والوحدة والتسامح، لكن خلف هذا الخطاب البراق تظهر أسئلة جوهرية: ما الهدف الحقيقي من هذه الدعوة؟ وهل نحنُ فعلًا تحت تقارب ديني صادق أم أمام مشروع سياسي بغطاء ديني لتطويع وتطويق المنطقة ثقافيًا وعقائديًا وسياسيًا ؟
في الحقيقة مصطلح الديانة الإبراهيمية ليس مفهومًا أصيلًا متجذرًا في الإسلام ولا في المسيحية ولا في اليهودية ولم نسمع عنه سابقًا، بل هو مشروعًا فكريًا ولِدَ في مراكز الأبحاث الامريكية منذ منتصف القرن الماضي تحت نظرية تعدد الوحي، التي تزعم أن كل الرسالات صحيحة فلا يحق لأحد احتكار الفوز أو الخلاص. وبعد عقودٍ من التنظير والتمحيص انتقل المفهوم إلى ميدان السياسة مع توقيع الاتفاق الإبراهيمي عام 2020م بين بعض الدول العربية وإسرائيل ثم تجسد رسميًا على أرض الواقع عام 2023م في بيت العائلة الإبراهيمية بأبوظبي، واستخدام إسم إبراهيم مقصود لدفع الشعوب العربية إلى قبول التطبيع مع إسرائيل وكأنه واجب أخلاقي بإسم الوحدة الإيمانية، وفي الحقيقة وراء هذا الخطاب البراق يكمن مشروع سياسي لتفريغ الدين الإسلامي من جوهره وتحويلهُ إلى طقوس شكلية تمهيدًا لتطويع المنطقة ثقافيًا وفكريًا وقبول مشروع (إسرائيل الكبرى)
ليكون مشروعًا واقعيًا، والفكرة المطروحة دمج الإسلام والمسيحية واليهودية داخل منظومة واحدة تتجاوز الخلافات، أطلقت على هذا المشروع (الخدعة الكبرى)، في الواقع هذه الفكرة تصطدم بجدار الحقيقة الدينية فالإسلام يؤمن بخاتمية نبوة محمد ونسخ ما قبلها، بينما ترفض اليهودية نبوة محمد أصلًا ولا تعترف به، وتؤمن المسيحية بالتثليث والفداء وهو عكس ما يعترف به الإسلام فكيف يوحد ما لم يمكن توحيده أصلًا، فمن الأولى أن يتوحد المسلمون فيما بينهم.
الخطر الأكبر في هذه الادلوجية الابراهيمية لا يقتصر على تشويه العقائد بل يتجلى في توظيفها لإقناع الناس بأن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي أو الاعتراض على السياسات الصهيونية أو رفض هذه الفكرة يعد تعصب ديني ومعاداة للسامية. أما الهدف الأبعد من ذلك المشروع هو تفريغ الإسلام من مضمونهِ العقدي والشرعي وتذويب الهوية الدينية في مشروع إنساني شامل مع إزالة الحواجز النفسية والشرعية بين المجتمعات المسلمة وإسرائيل بحيث تنشأ أجيال تتعامل مع إسرائيل الكبرى كواقع طبيعي في المنطقة، وللأسف الشديد مؤسستنا الدينية ومشايخها الأجلاء لا يزالون عاكفون على كتابة نواقض الوضوء والغسل من الحيض والنفاس.
السؤال المهم الآن: كيف ينظرون لتوحيد الأديان؟ وما هي البنود الغير معلنة؟
أولًا: الإعتراف المتبادل بشرعية الرسالات، ما يعرف بالوحي المتعدد أي أن كل دين جاء بوحي إلَهِي صحيح ولا يصح تكفير أتباع أي دين أو معتقد وبالتالي تُعاد صياغة تعريف الكفر، والإيمان حينها يصبح لم يعد كافر من لا يؤمن بالإسلام بل من يقصي الآخر.
ثانيًا: تحييد العقائد الكبرى بحجة المشتركات الإبراهيمية مثل التوحيد، القيم، الأخلاق وتجاهل النبوة وخصوصًا نبوة محمد وتجاهل الشريعة والتحاكم إلى معايير الدين الإبراهيمي التي سيتم وضعها في المناهج التعليمية الجديدة تسمى (القيم الإبراهيمية) لترويج الفكرة لدى الأجيال القادمة لتقبلها وأيضًا فكرة إعادة النصوص الشرعية بشكل وبطابع جديد يروج لما يسمى (بالتفسير الإبراهيمي) بهدف تأويل الآيات على غير محلها الصحيح والإدعاء بأنها لا تصلح لزماننا وإخراج النصوص العقائدية من معناها الواضح وأيضًا إقامة عبادات وطقوس مشتركة.
الطامة الكُبرى بأننا أمةً لا تُميز بين الحق والباطل ولا تسعى إلا إلى إشباع غريزتها فقط وتتجاهل مصيرها وتاريخها ودينها، ورضينا أن نعيش كشعوب تحت قهر الاستبداد وشعوب منزوعة الإرادة. طوفان الأقصى وثبات المقاومة والتحرك اليمني في المواجهة أحدث زلزالًا لهذا المخطط إلا إنهم لا يزالون ماضون في تنفيذه، فمن الواجب علينا كشعوب ومؤسسات أن ننتبه ونقف في وجه هذا المخطط لإفشاله، وهذا لا يعني بأننا نرفض التسامح والتعايش لكن لا نقبل طمس الحق والتنازل عن هويتنا ، وتداس وتدنس كرامة ومقدسات أمتنا.
كاتب وقاص عماني
نقلا عن رأي اليوم