في خطوة اعتبرت التصعيد الأقوى ضد المجلس العسكري الحاكم في باماكو منذ خمس سنوات، نجح تحالف يضم عشرات الأحزاب والمنظمات والشخصيات المدنية من تنظيم مظاهرة وسط العاصمة المالية باماكو معارضة بصراحة لحكم الجنرال عاصيمي اگويتا.
نزول المعارضة للشارع من جديد وكسرها حاجز الخوف؛سياق ذلك الداخلي، وتداخلاته مع الوضع في الإقليم، وآفاقه وتداعياته المحتملة على بلد لم تعد أفعال السياسة فيه تحسب بتأثيراتها الوطنية فحسب وإنما بتموقعها في ديناميكيات الساحل وتوقع ارتداداها فيه وعليه هو ما سننتبع في زووم الصحراء هذا الأسبوع.
سياق النزال..
نزول القوى المدنية للشارع ونزالها مع القوى الداعمة للمجلس العسكري يأتي في سياق تخبرنا عناوينه عن :
- توصية الحوار الوطني باختيار عاصمي اگويتا رئيسا للجمهورية المالية لمدة خمس سنوات، قابلة للتمديد، وكذا بحل الأحزاب السياسية القائمة، وتشديد شروط إعادة تأسيسها من جديد.
القرار الذي صدر الثلاثاء الماضي (30 ابريل 2025) كان بمثابة المسمار الأخير في نعش العلاقة التي أسست على التوتر من أول يوم بين المجلس العسكري والقوى السياسية والمدنية.
- استمرار تدهور العلاقة مع الجزائر بسبب أزمة الطائرات المسيرة حيث أعلنت الجزائر إسقاط طائرة مسيرة مالية في مجالها الجوي وهو ما تنفيه مالي وتقول إن الطائرة كانت تستهدف جماعات أزوادية في المنطقة الحدودية.
- بحث تحالف دول الساحل عن سبل للخروج من الأزمات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية التي يواجه (تابعنا خلال الفترة الأخيرة زيارتين لوزراء خارجيته لكل من روسيا والمغرب).
اختبار إرادة..
الدعوة للنزول للشارع التي اعتبرت سابقة من حيث عدد الأحزاب والمنظمات والشخصيات الداعية لها، ومن حيث لغتها المطالبة بشكل صريح بانهاء حكم العسكر والعودة للحكم المدني قوبلت برفض قوي من المجلس العسكري والقوى المدنية الداعمة له، لكنه كان من اللافت أن المجلس العسكري استبعد خيار استخدام القوة ضد المتظاهرين، واكتفى بمحاصرة المكان الذي تمت فيه التظاهرة، وهو ما يحيل إلى أحد احتمالين:
- تحول المقاربة من مقاربة المنع والقمع إلى مقاربة الاحتواء وربما الحوار لاحقا
- إعطاء الفرصة لمعرفة حجم الزخم الشعبي للمعارضة الراديكالية في الشارع.
ومع أن الخيار الأول وارد وخصوصا في ظل معطيين جوهريين ( الحرب مع الجماعات المسلحة، والأزمة مع الجزائر) لكن الراجح في تقديرنا هو الخيار الثاني ما يفرض طرح السؤال الأهم.
ماذا بعد؟!
بالعودة لتوصيات الحوار الوطني التي ترى السلطة الحاكمة أنها المرجعية العليا يتوقع خلال الأسابيع القادمة أن :
- يتم الإعلان عن حل الأحزاب السياسية القائمة
- وضع معايير وأسس جديدة يتم على أساسها استبعاد أهم القوى المشاركة في حراك الثلاثين من ابريل من الترخيص.
ولاشك أن هاتين الخطوتين ستعززان من دوافع القوى المشاركة في الاحتجاج للمضي قدما في مسار احتجاجي منذر أن خريف باماكو الذي بدأ للتو قد يكون جارفا خصوصا حين نستحضر عاملين أساسيين.:
- وضع اقتصادي واجتماعي صعب قد يزيد من فرص المعارضين في التعبئة والحشد.
- ومحيط إقليمي مضطرب لم ينجح قادة المجلس العسكري في ترتيب علاقة ودية مع أغلب أطرافه.
وبرغم كل العوامل المرجحة للتصعيد والمرشحة له ببقى احتواء الوضع بالقوة الناعمة أو الخشنة احتمالا مطروحا لتبقى مالي تراوح في الحال الذي توجد به منذ خمس سنوات، محكومة بحكم ينقسم الماليون في تقويمه بين من يرى فيه نجاحات في بسط الأمن ومن يرى فيه تسلطا وقمعا وقتلا خصوصا لبعض المجموعات في الشمال ( الطوارق والعرب) والوسط ( الفلان).