غزواني ونهج التقارب مع الفئات الهشة

محمد محمود الحسين الحر

منذ وصوله إلى السلطة، تبنى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني سياسة تواصل مباشر مع الفئات الأقل حظًا، بعيدًا عن البروتوكولات الرسمية التقليدية. وكانت آخر تجليات هذا النهج إفطاره مع الحمالة في ميناء نواكشوط المستقل في السابع عشر من رمضان، حيث جلس بينهم في مشهد غير مألوف في العلاقة بين الدولة وهذه الفئة العمالية، التي طالما كانت احتجاجاتها تُعامل كتهديد أمني.

 

هذه الخطوة لم تكن استثناءً، بل امتدادًا لنهج بدأه صحاب الفخامة منذ حملته الانتخابية، حين ظهر في صورة جالسًا في فناء منزل متواضع بقرية نائية، يقدم العزاء لعائلة جندي تعرف عليه أثناء خدمته العسكرية. حينها، اعتبر البعض الصورة مجرد دعاية، لكن السنوات اللاحقة أثبتت أنها جزء من مقاربة اجتماعية متكاملة، قائمة على تقريب الدولة من الفئات الأكثر هشاشة، لا عبر المساعدات الرمزية فقط، بل من خلال سياسات ملموسة تستهدف تحسين ظروفهم المعيشية.

 

على مدى السنوات الست الماضية، تحولت الإفطارات الرئاسية من لقاءات تجمع كبار المسؤولين والوجهاء، إلى مناسبات مخصصة للمواطنين البسطاء، حيث استقبل القصر الرئاسي أكثر من 500 شخص من المتعففين وأصحاب الهمم. كما كسر صاحب الفخامة التقليد الرسمي بتنقله إلى مواقع عسكرية نائية للإفطار مع الجنود في الميدان، تأكيدًا على أهمية الخدمة العسكرية والتقدير لمن يرابطون على الحدود.

 

في الجانب العملي، تم اتخاذ إجراءات اجتماعية غير مسبوقة، شملت توسيع التأمين الصحي لـ100 ألف أسرة، ورفع مخصصات المتقاعدين، ومضاعفة تعويضات أبناء شهداء الجيش وقوات الأمن، إضافة إلى برامج دعم تستفيد منها أكثر من نصف الأسر الموريتانية عبر “تآزر”. كما تم توفير تكفل طبي بالحالات المستعجلة والنساء الحوامل، وتمييز إيجابي لصالح أبناء الأسر المتعففة في الولوج إلى مدارس الامتياز.

 

الأهم في هذه السياسات أنها تمت بدون بهرجة إعلامية، وبتغيير جذري في الخطاب الرسمي، حيث تم استبدال مصطلحات تحمل دلالات سلبية بتعابير أكثر احترامًا، مثل وصف “الأسر المتعففة” المستلهم من الآية القرآنية: “يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف”.

 

هذا النهج، القائم على دمج الفئات الهشة في التنمية بدل الاكتفاء بمساعدتها، يعكس رؤية تتجاوز فترته الرئاسية، وتسعى إلى إعادة توزيع الثروة بشكل أكثر إنصافًا، وتعزيز دور الدولة كراعٍ لجميع مواطنيها، وليس فقط للفئات التقليدية التي كانت تحظى بالحظوة.

 

إضافة إلى ذلك، يمكن ملاحظة أن هذه السياسات لم تتوقف عند المستوى الاجتماعي فقط، بل امتدت إلى إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تمكين الفئات الهشة من الوصول إلى فرص اقتصادية أكثر استدامة. فقد أطلقت الحكومة برامج لدعم المشاريع الصغيرة والمبادرات الشبابية، خاصة في الأرياف والمناطق الأكثر هشاشة، ما أتاح للعديد من المواطنين فرصة تحسين أوضاعهم الاقتصادية دون الحاجة إلى الاعتماد على المساعدات الحكومية.

 

من جهة أخرى، كان لهذه التوجهات تأثير على الخطاب السياسي في موريتانيا، حيث أصبح القرب من المواطن معيارًا رئيسيًا في تقييم الأداء الحكومي. وقد دفعت هذه الديناميكية العديد من المسؤولين والفاعلين السياسيين إلى التحرك نحو نهج أكثر ارتباطًا بالواقع الاجتماعي، في محاولة لمواكبة التحولات التي فرضها هذا النمط الجديد من الحكم، والذي يعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس أكثر عدالة وإنصافًا.

ثلاثاء, 18/03/2025 - 22:27