كان شعارها في البدء معا نربح؛ انطلقت قافلته مبكرا في خمسينيات القرن الماضي؛ يومها لم يكن واقع الصين يختلف كثييرا عن واقع أغلب البلدان الافريقية التي كانت تتلمس طريق الاستقلال.
اليوم تنعقد القمة الافريقية الصينية السابعة في بكين تحت شعار "التكاتف لتعزيز التحديث وبناء مجتمع صيني-إفريقي رفيع المستوى”. يشارك في القمة قادة الدول الأفريقية بالإضافة إلى ممثلين عن المنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي بين الصين وإفريقيا.
في زوم الصحراء هذا الأسبوع نواكب هذا الانعقاد تذكيرا بتاريخ القمة، وتوقفا عند مؤشرات العلاقة بين أكبر دول العالم وأغنى قاراته بالموارد، لنستشرف مستقبل العلاقة؛ ونتوقف مع ما يظهر من حجم استفادة الصين من واقع الصراع على افريقيا.
ربع قرن من الشراكة..
يمتد تاريخ العلاقة بين الصين وافريقيا لعقود طويلة لكن منتدى التعاون الإفريقي الصيني المعروف ب (FOCAC) تأسس في مستهل القرن الجديد في العام 2000، وهو منتدى ينعقد كل ثلاث سنوات حيث انعقدت دوراته حتى الآن سبع مرات بالتناوب بين الصين وإحدى الدول الإفريقية وهكذا كانت القمم السابقة:
1. 2000: القمة الأولى في بكين، الصين.
2. 2003: القمة الثانية في أديس أبابا، إثيوبيا.
3. 2006: القمة الثالثة في بكين، الصين.
4. 2009: القمة الرابعة في شرم الشيخ، مصر.
5. 2012: القمة الخامسة في بكين، الصين.
6. 2015: القمة السادسة في جوهانسبرغ، جنوب إفريقيا.
7. 2018: القمة السابعة في بكين، الصين.
وقد أثمرت هذه العلاقة نتائج يراهن عليها الطرفان اليوم للتقدم في حقبة جديدة من التعاون
في مجالات عديدة، من أهمها:
1. التجارة والاستثمار: الصين أصبحت أكبر شريك تجاري لإفريقيا منذ 2009، حيث بلغ حجم التجارة بين الطرفين أكثر من 282.1 مليار دولار أمريكي في 2023. تتمثل هذه التجارة في واردات الصين من الموارد الإفريقية (مثل النفط، المعادن، والمنتجات الزراعية) وتصدير المنتجات المصنعة والتكنولوجيا.
2. البنية التحتية: الصين ساهمت بشكل كبير في تطوير البنية التحتية الإفريقية، من خلال مشاريع كبرى مثل بناء الطرق، السكك الحديدية، والموانئ.
3. الاستثمارات الطاقوية: الصين تستثمر أيضًا في مشاريع الطاقة في إفريقيا، بما في ذلك الطاقة المتجددة؛ مثل: الطاقة الشمسية والمائية، بالإضافة إلى تطوير قدرات إفريقيا في مجال الطاقة التقليدية.
4. التنمية الزراعية والأمن الغذائي: الصين تساعد في تعزيز الإنتاج الزراعي الإفريقي من خلال تقديم المساعدات التقنية؛ وتطوير البنية التحتية الزراعية، ما يدعم الأمن الغذائي في عدة دول إفريقية
الحصاد من زوايتين..
بلغة الأرقام تحقق الشراكة بين الصين وافريقيا نتائج كبيرة جعلت الصين الشريك الأول لافريقيا؛ أما من حيث تقويم نتائج العلاقة بلغة العائد الفعلي؛ والتأثير الاستراتيجي فهناك زاويتا نظر:
✔️ تعتقد أولاهما أن الشراكة مع الصين.
☑️ نموذجية من حيث أنها استثمار في البنية التحتية.
☑️ وعميقة التأثير من حيث أنها حتى الآن على الأقل غير مشروطة بمواقف وتوجهات؛ ما يجعل شعوب القارة المثقلة بفواتير الدعم المشروط تنظر لها بالكثير من التقدير.
✔️ أما زواية النظر الأخرى فترى فيها ضررا كبيرا من حيث؛
☑️ مسؤوليتها عن تكريس ممارسات الفساد حيث يشار للمشاريع التي تشرف عليها بأنها من بؤر الفساد في عديد البلدان الافريقية.
☑️ اثقالها كاهل عدد من البلدان بالديون التي تزيد من متاعب القارة المنهكة أصلا بالكثير من الاشكالات المركبة.
نتائج متوقعة
أهم النتائج المتوقعة من القمة الأفريقية الصينية 2024 تشمل تعزيز التعاون في عدة مجالات رئيسية:
1. التكامل الاقتصادي الإفريقي: يُتوقع أن تسهم القمة في تعزيز التكامل الاقتصادي داخل القارة الإفريقية، بما في ذلك دعم منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، والتي تهدف إلى تسهيل التجارة والاستثمار بين الدول الإفريقية والصين، وتقوية سلاسل الإنتاج الإفريقية لتحسين قدرتها على المنافسة عالميًا.
2. التحديث الصناعي والتنمية المستدامة: يُرجح أن تعلن الصين عن مبادرات جديدة لدعم التصنيع في إفريقيا، بما في ذلك تطوير البنية التحتية، والزراعة، والتكنولوجيا. يُتوقع أن تعزز الصين استثماراتها في القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية لدفع التحديث والتنمية في القارة
3. التعاون في الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء: ستسعى الصين لتعزيز دورها في التحول الأخضر في إفريقيا من خلال زيادة تصدير السيارات الكهربائية، بطاريات الليثيوم، والمنتجات الكهروضوئية، مما يساهم في تعزيز استخدام الطاقة النظيفة.
4. دعم التكامل الزراعي والتبادل التجاري: تتضمن النتائج المتوقعة تحسين الوصول إلى الأسواق؛ وزيادة صادرات المنتجات الزراعية والغذائية الإفريقية إلى الصين.
وفي المجمل يتضح:
✔️ من خلال السياق الذي تنعقد فيه القمة (اشتداد التنافسية الدولية على القارة).
✔️ تنوع مجالات الشراكة وتراكمها على مدى ربع قرن.
✔️ عدم إظهار الصين حتى الآن أي اهتمامات سياسية أو محاولات للتأثير في التوجهات السيادية للدول.
ختاما؛ فإن الصين تتجه لتكون ليس مجرد رابح في افريقيا كما كان شعارها في بداية نسج العلاقات، بل إنها الرابح الأكبر وبتقدم مريح على أغلب المنافسين العالق أغلبهم بين إرث يطارده (فرنسا وعموم البلدان الأوربية) واستعجال حصاد، ومحدودية مداخل تعيقه (روسيا وبقية اللاعبين الجدد).