تتوالى جولات الصهاينة في بلدان عربية، وكان آخرها زيارة نتن ياهو لعُمان، وزيارة وزيرة الرياضة الصهيونية لأبو ظبي ودخولها مسجد الشيخ زايد. وقائمة المطبعين العرب تطول مع الأيام، وعلينا أن نتوقع زيارات على مستوى رسمي رفيع للإمارات العربية والبحرين قريبا. وسيلي هؤلاء مطبعون قد طبعوا منذ زمن من تحت الطاولة، لكنهم تواروا كنوع من الخجل وليس الحياء.
المهم أننا نحن الفلسطينيون نسارع إلى ذم المطبعين وشتمهم والقول عنهم إنهم متآمرون على فلسطين وقضيتها، وهم خونة للإسلام والمقدسات الإسلامية منها والمسيحية. نحن لا نتورع عن كيل مختلف الاتهامات للأنظمة العربية الحاكمة. لكن يبدو أننا نتناسى أننا نحن الذين نقود قافلة التطبيع منذ سنوات طويلة، نحن نسوق الحافلة التي تمتطيها الأنظمة العربية. نحن الذين اعترفنا بالكيان الصهيوني، ونحن الذين طبعنا مع هذا الكيان ماليا واقتصاديا وإعلاميا وسياسيا واجتماعيا وعلميا، الخ. نحن نطبع من خلال السياسيين والتجار الكبار، ووسائل الإعلام والأكاديميين وأحيانا من خلال رجال الدين الذين من المفروض أن يكونوا حراسا على الأقصى وكل الأماكن المقدسة. لقد سبقتنا مصر في الاعتراف بالصهاينة، لكن مصر لم تعد الدولة التي تقود الوطن العربي، ومكانتها تراجعت بصورة حادة على الساحة العربية. واستلم الفلسطينيون زمام أمر القضية الفلسطينية، ولم يكن منهم إلا أن اعترفوا بالكيان الصهيوني عام 1988، وغطوه بما يسمى إعلان الدولة. وتتابعت الأمور واعترفت منظمة التحرير بالكيان مجددا، وقبلت التنسيق الأمني والمدني معه، وفتحت الأبواب للتطبيع وإقامة العلاقات الاعتيادية معه.
نحن نحارب التطبيع منذ أربعين عاما، ليأتينا في النهاية مستهتر أحمق وربما متعاون مع العدو يدوس على كل ما كتبناه وروجنا له ليكون في وعي الأجيال الفلسطينية.
وبهذا فتحت منظمة التحرير ومن بعدها السلطة الفلسطينية الأبواب أمام الأنظمة العربية لتبني ما كانت ترنو إليه على مدى الزمن وهو التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية. ولهذا من الأجدر بنا أن نعالج ما خربناه، ونتوقف عن الإساءة لقضيتنا قبل أن نطالب العرب بالصمود والوفاء لفلسطين ومقدساتها. سقوط منظمة التحرير لا يشكل مبررا للعرب لإدارة الظهر للقضية الفلسطينية، لكنه ليس من الأخلاق أن أطالب الآخرين بالامتناع عن ممارسة رذيلة أمارسها أنا ضد نفسي.
المفاوضات هي قمة التطبيع، والتنسيق الأمني أعلى درجات التطبيع والاندحار أمام العدو. ما نقوم به نحن الآن أكثر سوءا مما يقوم به العرب، وقد بلغ انحدارنا إلى درجة أن رئيس منظمة التحرير والسلطة قال إن التنسيق الأمني مقدس.
رأي اليوم