صحوة بنجة

عبد الرحمن ودادي

من أهم التغيرات التي واكبت في حياتي صعود تيارات الصحوة الدينية وانتشارها المهول بفضل عوامل عدة، من بينها أموال البترول و ترييف المدينة و الهجرة لمنطقة الخليج و الإعلام العابر للحدود.

لا شك أن تغيرات كبيرة حدثت، أصبح اللبس النسائي أكثر محافظة، انتشرت اللحى، و صار أهل البلاد يتوضؤون بعد ان كان التيمم مسيطرا، ارتفعت نسبة الصيام بأضعاف مضاعفة، باختصار زادت كل مظاهر التدين، و تضاعف عدد المساجد، و انتقل مركز الاهتمام من المثقفين والسياسيين لرجال الدين.

صاحب هذا انهيار لقيم الحداثة واحتقار للفنون و انحدار شديد لقيمة الفنان وتغيرت الكثير من العادات مثل الأعراس التي لم يعد يحضرها الذكور، و انتشر الابتعاد عن الموسيقى و الاكتفاء "ببنجة" بحجة التدين وحرمة الآلات الموسيقية، مع أن "بنجة" تتعرض في معظمها للنصف الأسفل من الجسد، و تركز على الجماع و الغُلمة بعبارات فاضحة، ترى الجميع يتقافز على وقع كلماتها البعيدة من الحياء، الأم و البنت و الحماة في نوبات هياج جماعي تحت وطأة الإثارة بالعبارات الجنسية و التعبيرات الراقصة التي تجسدها.

الظريف ان هذا الفن الإباحي يمثل التدين و الالتزام، بينما الموسيقى التقليدية الفخمة و الغنية على مستوى المضمون و الشكل توصم بالحرمة و الكفر، بما فيها من الشعر الرقيق للبرعي وولد آدبة و ومجنون ليلى .

إنجرف الكثير من ابناء البلد تحت تأثير الصحوة للعنف الديني الجديد على هذه الأرض واصبح العديد منهم وقودا للحركات الجهادية و تبوأ بعضم أعلى المراتب في التنظيمات الارهابية العالمية .

المفارقة المؤلمة هي أن الأخلاق أصيبت بانهيار رغم الصحوة الدينية، و تناقص الصدق و العفاف، و انتشرت المخدرات و العهر، و أصبحت الأمانة عملة نادرة وانهارت قيمة المرأة و خسرت مكسب " لا سابقة ولا لاحقة" الذي نجحت في انتزاعه رغم البداوة و الفقر.

أصبح الزواج السري الممتهن لكرامتها أمرا مقبولا وطبيعيا، فالصحوة جلبت معها نظرة الخليجيين للمرأة و صار الحديث عن حقوقها وقيمتها لا يناسب المرحلة.

نجحت التيارات السياسية الدينية والدعوية في نشر مظاهر التدين بالصيغة الخليجية، لكن روح الإنسان في هذه البلاد تلوثت بالرياء و التمظهر الزائف و فقدت نقاوتها ووصلت للدرك الأسفل من الحضيض الأخلاقي و اصبحت صورة الشنقيطي التي ارتبطت لدى العالم بالعلم و الكرم و قيم الشهامة مقرونة بالنصب و الاحتيال والاستجداء باسم الدين.

نقلا عن صفحة الكاتب

جمعة, 26/10/2018 - 21:39