مشروع السلام الإسرائيلي طُمُوح في عالم آخر

فتحي أحمد

الأمر عند رابين كان أكثر سلبيا، وقد أشار في خطاب له في الكنيست عام 1995، إلى أن «الحل الدائم يشمل إقامة المستوطنات في يهودا والسامرة» وبالفعل، استمر بناء المستوطنات طوال فترة المفاوضات، وما زال، حتى أن المفاوضين الإسرائيليين رفضوا الرجوع للقانون الدولي، إلا باعتباره «أساساً للمفاوضات المستقبلية» وبالتالي تجنب أي مساءلة أو التزام بشأن إنهاء الاحتلال وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم، وهو أمر مستمر حتى يومنا هذا.
المجتمع الإسرائيلي لا يؤيد التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين وليس على استعداد للتعاون الإيجابي والدفع نحو ذلك، بل ليس على استعداد للتعامل مع الفلسطينيين وفقاً للقوانين الدولية الإنسانية، إن «إسرائيل» ذات الأصول التلمودية «التوراتية ـ الأيديولوجية» تدرك حتمية أنها إلى زوال طبقاً لنصوص مقدسة معروفة لديهم، ومن ثم فإنها تود أن تبقى أطول وقت ممكن على قيد الحياة، وفي حالة استنفار دائم، إذ إن استقرار الوضع في ظل السلام، سيمنح العرب فرصة لالتقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الأوضاع وتوحيد الصفوف تمهيداً لخوض المعركة الفاصلة بينهم وبين اليهود.
في الاستراتيجية الإسرائيلية الخاصة بالمنطقة، تمتلك عناصر ذات ثقل جغرافي واقتصادي وسياسي، وعلى الرغم من أن أحوال الجبهة الداخلية المتردية داخل الكيان، والمظاهرات التي تعم المدن شرقا وغربا داخل فلسطين إلا أن دولة الاحتلال ما زالت، تطل من النافذة الواسعة على العالم، وتفرض أجندتها، حسب رؤيتها التلمودية للحل التفاوضي للقضية الفلسطينية.
اليوم يتصارع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، في ما بينهم لكنهم يلتقون في نقطة واحدة وهي، طريقة الخلاص من الضغط الدولي وكيفية الهروب من حل القضية الفلسطينية، خصوصا المطلب الفلسطيني المتعلق بتحويل المناطق المصنفة «ج» إلى مناطق «ب» التي تخضع أصولا حسب اتفاقية أوسلو للسيطرة الفلسطينية، هذا ما أثار حفيظة اليمين المتطرف في إسرائيل. لدى نتنياهو فرص كثيرة للمراوغة في الملف الفلسطيني وهو خبير في ذلك، ففي أجندته وحكومته كل شيء حاضر عدا التسوية مع الفلسطينيين.

السلام في الفكر الصهيوني هو ما يخدم مصلحة إسرائيل فقط، ومصلحتها تكمن في السيطرة على الشرق الأوسط والسيطرة التامة على الضفة الغربية وتهويدها

السؤال البديهي هل يبقى العالم يضغط في اتجاه تحقيق المطلب الفلسطيني؟ المشروع الذي تعول عليه الولايات المتحدة اليوم كثيرا هو التطبيع مع المملكة العربية السعودية، فتذليل العقبات أمام هذا الحلم يحتاج أن إسرائيل تتنازل عن بعض غرورها حتى يسير مركب التطبيع، وفي نظر المراقبين حتى تنجح مهمة بايدن في عقد اتفاق سعودي إسرائيلي، ينبغي أن يكون ثمة تغيير جوهري في بنية الحكومة الإسرائيلية، فهذا لا يستدعي إجراء انتخابات مبكرة، ولكن تشكيل حكومة من المعارضة، فأمريكا لا تريد اليمين الصهيوني في الحكم على حساب الأحزاب التقليدية في دولة الكيان التي أوجدتها، وحسب رؤيتها، وهي تعمل بكل ثقلها من أجل إبعادهم عن الحكومة، لأن من شأن ذلك أن يسبب متاعب لها بعض الشيء، فأمريكا اليوم ليست طبيباً يمكن استدعاؤه. إنَّها طرف واضح في التآمر على فلسطين وقضيتها، وما صفقة القرن الترامبية عنا ببعيد، وهذا دليل واحد فقط، فالمتتبع لمسيرة رؤساء البيت الأبيض يجد أن اللوبي الصهيوني هو من يحدد مسار التفاوض مع الشعب الفلسطيني، لهذا السبب نجد مدى حجم الدعم المقدم لدولة الاحتلال.
في المحصلة إسرائيل ضد السلام بمفهومه الصحيح أرض مقابل السلام، وهذا ما تثبته تصريحات جل قادة إسرائيل منذ نشأتها حتى اليوم السلام مقابل السلام، واليوم أصبح السلام مقابل التطبيع، فمصلحتها في الوصول للعالم العربي والإسلامي لأهداف كثيرة منها السياسية والاقتصادية، وفرض نفسها على دول الطوق، كدولة قوية ومهيمنة، لهذا فهي تناور السعودية على عدم الموافقة على تخصيب اليورانيوم، كما تبذل جهدها في إقناع الولايات المتحدة الأمريكية عدم تزويدها بالأسلحة المتقدمة، هذا هو السلام الذي تريده إسرائيل، فعلى الرغم من موافقة رئيس حكومة الاحتلال على المشروع النووي السلمي السعودي، لكن الكلمة الفصل في هذا الجانب لقوة الائتلاف في حكومته، والمعارضة التي تقف موقف الرافض للنووي السعودي.
باتت الرسائل المتناقضة والمرتبكة، التي تبعثها إسرائيل على مستويات عدة تريد من ذلك إبرام سلام مع العرب والتطبيع معهم، كإنجاز لرئيس حكومة الاحتلال، وإخماد المظاهرات في الداخل المحتل في المقابل نتنياهو يناقض نفسه ويصور نفسه على أنه سوبرمان بيده مفاتيح الحلول برمتها، أما في ما يتعلق بالتعديلات القضائية فهو هَمَّ جل الإسرائيليين ولسان حالهم المطالبة بالتوقف الفوري عن عدم تعديل القانون بالدرجة الأولى، فعلى الرغم من إصرار نتنياهو على المضي نحو التطبيع، إلا أن هذا قد يكون هدفا استراتيجيا من أجل مستقبل إسرائيل، لكنه لا يخدمه، ولا يحقق شيئا لخلاصه من المحكمة. خلاصة القول السلام في الفكر الصهيوني هو ما يخدم مصلحة إسرائيل فقط، ومصلحة إسرائيل تكمن في السيطرة على الشرق الأوسط في شتى المجالات والسيطرة التامة على الضفة الغربية وتهويدها، والتطبيع خارجيا فهذا هو السلام الذي تبحث عنه إسرائيل، فالسلام الإسرائيلي المنشود مع العالم العربي والإسلامي، أي سلام، من دون تكلفة.

نقلا عن القدس العربي 

ثلاثاء, 03/10/2023 - 14:10