صديقي العزيز،
ركّزت رسالتي، مساء أمس، على فرنسا في عهد الرئيس ماكرون والمخاطر الكبيرة المحتملة التي قد تجعلها تخسر بسرعة مكانتها السابقة في أفريقيا.
في الواقع، قبل الانقلاب في الجابون الأسبوع الماضي، كان هناك انقلاب في النيجر، ووفقًا لما كشف عنه مسؤول دبلوماسي فرنسي كبير، كان السيد ماكرون سيشعر بخيانة مريرة من جانب حليفه الأمريكي. لأنه بينما كانت فرنسا تناور لتعبئة القوات العسكرية التابعة للإيكواس، بهدف التدخل بدعمها اللوجستي، لطرد المجلس العسكري وإعادة تنصيب الرئيس المخلوع (محمد بازوم)، كانت الولايات المتحدة قد عينت سفيراً لها وأرسلت مبعوثة رفيعة المستوى إلى نيامي للاتصال بالانقلابيين وإبلاغهم بقرب وصول السفيرة المذكورة لتقديم أوراق اعتمادها... باختصار اعتراف واضح للغاية.
من وجهة النظر هذه، فإن الاستياء الفرنسي يصبح أكثر قابلية للفهم في ضوء الخطر الذي يحوم حول هذا المصدر الحيوي لإمدادات اليورانيوم للطاقة النووية الفرنسية.
على أية حال، وفي ظل هذه المبادرة الأميركية، التي تزامنت مع تصريحات عدة من دول أخرى ترفض الخيار العسكري، تلاشى الحماس الحربي لدى الجميع لإفساح المجال للتفاوض. ثم ستأتي، كما لو كانت للتعويض عن ذلك، الألعاب الدبلوماسية التي يمارسها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، والتي اعتدنا عليها في مواجهة مثل هذه الانقلابات؛ وسوف نشهد أيضاً استمرار اللفتات العسكرية للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، تحت قيادة رئيسي نيجيريا وساحل العاج، الأول كزعيم للصقور المعارضين للانقلاب والثاني بصفته مفجر فرنسا في منطقة غرب أفريقيا. لكن الانقلاب كان قد اكتمل بالفعل، على الرغم من أنه بدا أكبر من قدرة الدولة الفرنسية؛ وجاءت دولة الجابون، كما لو كانت مدفوعة بلعبة الدومينو، لتدق ناقوس الموت لفرنسا-إفريقيا...
وهذا يُبَيِّن كيف يشكل هذان الانقلابان ضربة قاصمة لفرنسا. وإذا تمكنت من التصالح مع هذه النكسة الجديدة، بما لها من دلالات استراتيجية، دون أن تكون قادرة على إعادة تأسيس "النظام الدستوري" كما يحلو لها، فلنتوقع إذن دورة جديدة - بعد الاستعمار الجديد – من لاعب من الدرجة الثانية في مستعمراتها السابقة؛ ومن بينها بالفعل عدد من البلدان التي تتجه أكثر فأكثر نحو روسيا، لأنها تعتبرها أقل شرهاً اقتصادياً وأكثر احتراماً لسيادتها.
ولكن في النيجر، هل كان هدف فرنسا إنشاء جدار حماية مناهض لروسيا، دمره الأميركيون بهذه الطريقة، مع الحد في الوقت نفسه من النفوذ الفرنسيالذي لا يمكن دحضه، والذي يعتبر خادعاً وخانقاً في نفس الوقت على رؤساء الدول الأفريقية؟
هنا، وبعيدًا عن وجود قاعدة عسكرية أمريكية في النيجر، لا ينبغي لنا بأي حال من الأحوال أن نرفض هذا السؤال تمامًا، خاصة وأن رواسب التعدين الهائلة المدفونة تحت تربة منطقة الساحل والصحراء الإفريقية كانت موجودة دائمًا في بنوك البيانات و رغبات القوى العظمى. يضاف إلى ذلك حقيقة أن الولايات المتحدة لا تزال مستمرة في استيراد اليورانيوم المخصب من روسيا، على الرغم من العقوبات التجارية التي فرضتها ضدها والتي لا يزال حلفاؤها الأوروبيون يحترمونها بالكامل (...).
القول إن المبادرة الأمريكية ووجودها العسكري في النيجر ليس الدافعُ وراءهما هو الحرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل فحسب، بل الأهم من ذلك كله أن هذا البلد يحتوي على احتياطيات كبيرة من اليورانيوم والمعادن المهمة الأخرى لصناعة التكنولوجيا الفائقة، بالإضافة إلى النفط والغاز في انتظار استخراجهما.
في النهاية، دعونا نكرر، هذه الرغبة الإستراتيجية في إضعاف أوروبا (وخاصة فرنسا، لترويضها مثل إنجلترا، على الرغم من وضعهما في (الأمم المتحدة)) تظل دائمًا ثابتا جيوسياسيًا للطبقة الحاكمة الأمريكية، سواء من الحزب الديمقراطي أو من الحزب الجمهوري، وهذا موقف كارثي يتمثل في تضخيم مراكز التوتر هنا وإطفاءها هناك (حسب مصالح أمريكا الحالية)، كل ذلك من خلال الحرص على تهميش الحلفاء أثناء مفاوضات السلام عندما يحين الوقت، وبالتالي تهميشهم في الصراعات الدولية. حيث لن يلعبوا إلا أدواراً ثانية، في حين أن دعمهم الذي لا يتزعزع يشكل مع ذلك ضرورة أساسية للحفاظ على القيادة الأميركية، والذي بدونه، على الأقل، سوف تتقلص الغطرسة الأميركية المهيمنة إلى حد كبير، إن لم تكن محدودة للغاية.
علاوة على ذلك، كان وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، يحب أن يربك محاوريه بهذا التهوين: "أن تكون عدواً لأميركا أمر خطير، وأن تكون حليفاً لها أمر قاتل".
ولكن علينا أن نعود إلى موضوعنا على ما أعتقد!