أهل تگانت بطبعهم صبورون ؛ الجغرافيا لم تمنحهم ذلك الدلال؛ لذلك قد يتكيف أهلها مع القليل ويتقنون توظيفه وتسييره.
====
فى نهاية الأربعينات من القرن الماضي دخل والدي رحمه الله أول ابتدائية على عموم تكانت؛ وهي إحدى المدارس القليلة آنذاك فى ماسيعرف لاحقا بموريتانيا.
أكمل تعليمه برفقة تسعة عشر تلميذا نجيبا قدموا من مختلف قرى وأرياف الولاية ومن عاصمة الولاية نفسها؛ مدينة تجكجة.
واصل شباب الولاية تعليمهم الإعدادي فى روصو وحصلوا على شهادة ختم الدروس الإعدادية؛ كان هذا فى الخمسينات
وتفرقوا بين أصقاع العالم طلبا للعلم أو بحثا عن حياة أفضل .
===
وبعيد الاستقلال عاد أغلبهم؛ توزعوا فى أسلاك الوظيفة العمومية؛ قضاة وإداريين وخبراء محاسبة وأطباء وبرعوا فى تأسيس أول جيل من رجال الأعمال الوطنيين؛ ومازالت مؤسساتهم التجارية الرائدة مستمرة ويُديرها الجيل الثالث من عائلاتهم.
===
الطبيعة هنالك قاسية؛ الشمس تُشرق فى وقت مبكر وبشكل ساطع وتستمر كذلك حتى مغيبها الذي يتمدد تبعا لعدد الحجارة والجبال والصخور المحيطة بك من كل اتجاه؛ ولكن حين يطلع القمر رويدا رويدا تنثر قرائحنا أعذب الكلام وأصدقه وبشكل حتمي ومنساب تُسمع أوتار منقوعة فى بحر من الوجد يُحرك الصخر الذي يتأنسن حبا وهياما وتحت وطأة الحنين يتدفق الشعر بشقيه جدولا يُخفف حرارة الغد وشظفه.
===
ويحز فى نفسي أن اتناول فى يومياتي التى اكتبها لكم على فضائكم هذا منذ ثلاث عشر سنة؛ انحاز فيها بشكل أساسي للموريتاني من النهر الى تيرس ومن فصالة الى كرمسين؛ ارصد آمال وآلام المواطن البسيط والمتجاوز والهامشي.
لكن حين كثر الحديث عن هذه الجزئية ارتأيت أن أكتب هذا ...
===
وللذين استكثروا على الولاية البعيدة والمنسية كجرم تاريخي يجب طمسه بتغييب أبنائه تعيين وزيرين ومندوب لتآزر؛ وحفنة مدراء وجيش من رؤساء المصالح وآلاف المعلمين ونصف جيش من الممرضين ...أقول لهم
الجغرافيا علمتنا الصبر والتاريخ يعلمنا التجاهل والمضي نحو قمة الجبل .