رصاص وقتلى وغاز مسيل للدموع، ومظاهرات في العاصمة انجامينا وفي عدد من مدن البلاد صباح اليوم الخميس العشرين اكتوبر الذي كان متوقعا أن يكون يوم الاحتفال بنهاية المرحلة الانتقالية التي أعلنت بعد مقتل المارشال ادريس ديبي اتنو، وتولى نجله مهمات ديبي والسلطة في البلد الافريقي المثقل بميراث الاستعمار واخفاقات دولة ما بعد الاستقلال.
في زوم هذا الأسبوع ندقق في مكونات المشهد في انجامينا الغارقة في الفيضانات، والمهددة بغرق آخر بعد فشل حوار الدوحة؛ وإخفاق الحوار الذي تفرع منه داخل البلاد -فيما يظهر- في فتح صفحة جديدة برغم الإعلان عن تولي "زعيم المعارضة التقليدية" قيادة حكومة جديدة قبل أسابيع.
جذور الأزمة
لاتختلف جذور الأزمة في اتشاد كثيرا عن الأزمات في بقية بلدان الساحل؛ مزيج من:
- إخفاق الدولة "الوطنية" في الوفاء بالحد الأدنى من التزاماتها تجاه المواطن، وتحولها إلى "دولة تخدم مجموعة من النخب الحاكمة؛ وتحقق مصالحها" مما عزز عزلتها وجعلها في حالة "اشتباك معنوي ومادي" مع أعداد متزايدة من المواطنين.
- تمزق البنية الوطنية بين "مركز" يحتكر السلطة والثروة والمعرفة، وهوامش يتكدس فيها الفقر والتهميش، وتنطلق منها حركات التمرد (في الحالة التشادية تعتبر المعارضة العسكرية أقوى من نظيرتها المدنية؛ وحظيت تاريخيا بدعم واسع من عدة أطراف من أبرزها العقيد القذافي).
- الارتهان للخارج وخصوصا القوى الاستعمارية وامتداد القوة منه بديلا عن الشرعية السياسية الوطنية المتعذرة، حيث تتحول الانتخابات إلى مواسم شكلية (في النموذج التشادي كثيرا ما يتم تمديد العمل بالهيئات وتأجيل الانتخابات وتمديد المأموريات لآماد غير محدودة).
الانتقال داخل العائلة
في العشرين من ابريل 2021 لفظ ادريس ديبي أنفاسه الأخيرة متأثرا بجروح أصيب بها خلال معارك تلت إعلان فوزه بمأمورية سادسة، وبعد أن أمضى واحدا وثلاثين سنة في السلطة التي وصلها عنوة في العام 1990.
ومع أن فريقا من المعارضة العسكرية للمارشال أعلن قنصه وكان متوقعا أن يخلفه بيد أن تحالف "الجيش وفرنسا" الحاضرة بقوة في المشهد نجح في وقت قياسي في امتصاص الضربة؛ وتنصيب العقيد مهمات ديبي رئيسا والشروع في مسار اتضح أنه ليس سهلا لترتيب الأوضاع له ليضمن "الاستقرار" في البلد المحوري في استراتجيات "تأمين الساحل".
من الدوحة لانجامينا.. استعصاء الحل
كانت العاصمة القطرية الدوحة أول أرض وصلتها حقائب الاخوة الأعداء بحثا عن حل على طريق الانتقال المنشود، وبرغم ديبلوماسية البلد الخليجي الذي عرف بالاستثمار في البحث عن حلول الأزمات المستعصية؛ إلا أن الجلسات الماراثونية الطويلة التي دامت خمسة أشهر أخفقت في الخروج بتوافق يعيد الثقة لعلاقة بين أطراف كتبت فصولًا رئيسة في تاريخ تنافسها بالسلاح والدماء؛ إذ غاب عن وثيقة الاتفاق أبرز أطراف المعارضة العسكرية وأكثرها تأثيرا (جبهة الوفاق من أجل التغيير- افاكت- وهي التي قتلت ديبي في ميدان المواجهات التي تلت "إعلان انتخابه للمرة السادسة".
وكان قرار الانتقال بالحوار إلى الداخل قفزة عن الفشل ولكنها - في الظاهر - تتجه لتكون تسريعا للعودة له، برغم الإعلانات عن نجاح الحوار بتوافق على تمديد المرحلة الانتقالية، وإشراك الأطراف التي شاركت فيه في المشهد الجديد من موقع قيادة الحكومة الذي تولاه زعيم المعارضة التقليدية على عهد ديبي الأب السيد صالح كبزابو.
ماذا بعد..؟
باختيار أطراف أساسية في المعارضة يوم نهاية المرحلة الانتقالية للعودة للشارع بقوة وقرار العقيد ديبي الابن إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في انجامينا هذا الصباح يبدو المشهد في اتشاد كما لو كان في طريقه للعودة لذات النقطة التي ظل يدور حولها منذ عقود:
- خلاف عميق بين أطراف مشهده الوطني تتداخل فيه الأبعاد السياسية والعرقية والعسكرية والمدنية.
- وصراع مفتوح داخل البلد وعلى حدوده بين القوى الإقليمية والدولية المعنية بضمان النفوذ في هذا البلد الإفريقي الذي تشير تقارير عديدة لوجود ثروات كبيرة به ما تزال بكرا برغم انتشار الفقر والتخلف.
وكما هو الحال في أغلب دول القارة وبالذات في منطقة الساحل تدل عديد المؤشرات على أن الصراع الفرنسي الروسي المفتوح محتدم في اتشاد، وأن الأسابيع القادمة ستشهد تكشف المزيد من ذلك من خلال أحد سيناريوهين:
- انقلاب جديد يلحق انجامينا بباماكو وبانگي واغادوغو (عواصم النفوذ الروسي الجديدة في الساحل والغرب والوسط الإفريقي).
- أوحرب مفتوحة في الشوارع وعلى الجبهات تنهي حالة الهدوء الحذر التي طبعت المشهد التشادي بعد مقتل " الماريشال".