ملاحظات سريعة

الشيخ محمد حرمه

طالعتُ في هذا الفضاء منشورات عديدة تتحدث عن سيطرة القاعدة على قرى بالقرب من حدودنا الشرقية، ويربطون ذلك بما يقول أصحاب المنشورات إنه انسحاب فرنسا من مالي والساحل، ولدي ملاحظات سريعة وخاطفة:

أولا على المستوى الدولي:

فرنسا لم تنسحب عسكريًا من مالي والساحل، ولن تفعل (في المنظور القريب).

ما أعلن هو نهايةٌ مرتقبة لعملية «برخان»، وصياغة استراتيجية جديدة، تتضمن تقليص عدد الجنود (5100 جندي حاليا).

إنه قرار موجه للرأي العام الفرنسي الذي يرى بلاده تصرف سنويا مليار يورو على عملية عسكرية خارجية، قتل فيها أكثر من خمسين جنديا فرنسيا، والانتخابات الرئاسية على الأبواب.

فرنسا سبق أن أنهت عملية «سيرفال» عام 2014، ولكنها لم تنسحب، بل وضعت خطة جديدة في إطار «برخان»، نفس الشيء تستعد له الآن، من خلال وضع استراتيجية أوروبية، بقيادة فرنسية، هدفها الأبرز تخفيف الضغط على باريس.

أما على المستوى الإقليمي والميداني فمن المهم معرفة بعض الأمور:

القاعدة موجودة على الحدود الموريتانية - المالية منذ 2012، ولا جديد في الأمر (أنظروا الخريطة الصادرة قبل عدة أشهر فقط).

تحرك مقاتلي القاعدة، ومن يتحالفون معها، على الحدود لا يعني أنها تسيطر على المنطقة، وإنما تتخذ منها منطقة إمداد، وفق شبكة علاقات معقدة.

مركز الحرب يقع في وسط مالي (ماسينا)، وفي المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو (ليبتاكو غورما)، والقوة الضاربة للقاعدة وداعش هناك، وتدور بين التنظيمين حرب نفوذ طاحنة.

خطط التنظيمين تقوم على التوجه نحو الجنوب أكثر (دول غرب أفريقيا وخليج غينيا).

وطنيًا وداخليًا، لدينا نقاط مهمة:

ثقل الجيش الموريتاني وقوته الضاربة على الحدود الشرقية، لأنها هي الخاصرة الرخوة، وحتى الآن ينجح في تأمين هذه الخاصرة.

الجيش والقاعدة سبق أن تواجها عام 2011 في نفس المنطقة (حاسي سيدي، واغادو)، وهي المواجهة التي أسفرت عن هدنة غير معلنة.

حين تواجه الموريتانيون مع القاعدة كان التنظيم آنذاك أكثر قوة وشكيمة، إلا أنه خلال عشر سنوات خسر الكثير من قياداته (عبد الحميد أبو زيد، يحيى أبو الهمام، عبد المالك دروكدال)، ومختار بلمختار مختفي عن الأنظار منذ 2016.

القاعدة تقاتل على عدة جبهات (ضد الفرنسيين، وضد داعش)، وفي نفس الوقت تخطط لوسيع دائرة نفوذها في بنين والتوغو وكوت ديفوار، بعد أن اخترقت بعض المجموعات العرقية المحلية.

ما يجري على حدودنا الشرقية صراعات قبلية معقدة جدًا، تتغير فيها التحالفات، وقبل سنوات حاول تنظيم داعش اختراق هذه الصراعات لإضعاف نفوذ القاعدة، ودارت معارك طاحنة على بعد كيلومترات قليلة من الحدود.

قبل عامين وقعت الأطراف المتصارعة اتفاقًا في نواكشوط، برعاية موريتانية، ودوما حين تتعقد الأمور يكون الموريتانيون حاضرون لإطفاء الحريق.

وأخيرًا..

أعتقد أن الخطر الذي يجب أن ينشغل به الموريتانيون ليس خطرا قادما من الخارج، إنه يعيش بيننا وتتسع دائرته يوما بعد يوم، إنه الإحساس بالغبن والظلم والتهميش، وغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروة، هذه هي البذور التي يبدأ منها الانزلاق، خاصة في ظل تصاعد خطاب الكراهية.

الوحش بينكم.. ما يزال في المهد.. اقتلوه بالعدل والإنصاف.

جمعة, 25/06/2021 - 15:06