لقد اعتبر الائمة من أهل التحقيق الواقع وفقهه، وعلى ضوئه ميزوا وفرقوا، وطالبوا بأن تؤخذ الخصوصيات بعين الاعتبار وتعتمد أساسا للفتوى، وبلغة حازمة لو استعملها أحد اليوم لاعتبر جريئا وربما متحديا يقول الفقيه المالكي الإمام القرافي في فروقه:
"ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك، لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده وأجره عليه، وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين"
ويشرح الإمام ابن القيم في إعلامه كلام القرافي هذا فيؤكد :
"وهذا محض الفقه، ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر على أديان الناس وأبدانهم والله المستعان"
تلك كانت منهجية العلماء المحققين لا الفقهاء المقلدين، وتلك طريقة السالكين ممن قدروا قيمة العقل فشكروها بتوظيفها حتى لا يتحقق فيهم استغراب ابن الجوزي الذي تعجب ممن يرزقه الله مشعلا (عقله) فيطفئه أو يدعه ليسير في الظلمة على غير هدى.
الجمود استقالة والتقليد المطلق فساد مطلق وخير الطوائف التي تقبل الماء فتنبت الكلأ والعشب الكثير.