جائحة فيروس كورونا المستجد تطرح من جديد المفاضلة بين النمو الاقتصادي وإنقاذ الحياة البشرية

د.سيدي المختار الطالب هامه

إن كلمة (covid-19) تعني حسب منظمة الصحة العالمية اقتصارا co  أي corona و vi أي فيروس و d  من كلمة disease أي المرض باللغة الإنجليزية و19 أي 2019 أو سنة ظهور المرض، وبالتالي تكون الكلمة ترمز في مجملها لهذا المرض المعدي الناجم عن فيروس كورونا الذي لم يكن معروفًا لا هو ولا المرض قبل ظهورهما في ووهان بالصين في ديسمبر 2019.

ووفقًا لأحدث المعلومات التي قدمتها هذه المنظمة الأممية المتخصصة، فإن علماء الفيروسات يعتبرون الخفاش وآكل النمل الحرسفي مصدر الفيروس وانتقاله إلى الإنسان وأنهم تمكنوا من تحديد السلالتين المنتشرتين حاليا للفيروس وهما (S و L) كما تمكنوا كذلك من إثبات أن سلالة L أكثر حدة وعدائية وأكثر تواترًا في العينات التي تمت دراستها حيث مثلت (70٪) وأن سلالة S أقل عدوانية وأقل تكرارًا إذ ظهرت بنسبة (30٪) في نفس العينات المدروسة.

وحتى الآن تعتبر منظمة الصحة العالمية أن لغز فيروس كورونا مازال على حاله تقريبا وذلك رغم تمكن خبرائها من علماء الفيروسات من عزل السلالتين (L و S) وطرح الفرضية القائلة بأن S قد يكون أول شكل ينتقل من الحيوان إلى الإنسان وأن أيضا L قد تكون أول نسخة تحول لـ S، بعبارة  أخري يرى الخبراء ضرورة العثور على "المريض صفر" أو أول حامل صيني للفيروس والهدف المساعدة في معرفة السلالة الأولى من الفيروس التي وصلت للإنسان قبل أي نوع من التحول الجيني أو السلوكي (السلالة صفر) والتي قد تكون سلف S الذي سبق تحديده بالفعل منذ مدة.

مما سبق يتبين أن العالم سيكون بحاجة لفترة انتقالية قبل رؤية النهاية الحقيقية للنفق، أي الوصول أولا إلى حل مسألة فيروس كورونا الأول الذي مر مباشرة من ناقله الأول من الحيوانات إلى ضحيته الأولى من البشر وقبل أي نوع من التحول وثانيا إلى اكتشاف علاج ينقذ أرواح العباد وحياة البلدان.

إذن دعونا نعطي علماء العالم الوقت من أجل أن يتمكنوا، بدفع من منظمة الصحة العالمية وتحت إشرافها، من فك جميع الألغاز المتعلقة بمختلف جوانب الفيروس الجديد: أصله أو مصدره، أشكاله الأصلية والمتحولة، وكيفية اختراقه جسم الإنسان والطريق الذي يسلكه حتى جهازه التنفسي واختراقه لأنسجة هذا الأخير؛ إنها أشياء تقوي معرفتها الأمل في العثور على علاج  جديد أي لقاح مضاد لكورونا فيروس خاصة أو التأكد من فعالية أنواع من الأدوية موجودة في السوق مثل الكلوريكين وتستخدم حاليا لعلاج أمراض أخرى.

وحتى ذلك الوقت وساعة الحسم بنجاح الباحثين أو فشلهم في حل شفرة هذا الكائن الذي لا تدركه الأبصار وهو يرعب الأمصار، علينا أن نشرح صدورنا لظهور ثقافة جديدة وأدب وفقه حول مختلف جوانب ظاهرة الكوفيد 19 مما يمكن أن ينسجه خيال الشعوب.

وقد يدخل في هذا الإطار تساؤل خبراء الإكولوجيا عما إذا كانت جائحة فيروس كورونا عبارة عن "تأثير جماعي effet de masse"، سيستأنف بعده عدد سكان الأرض  واقتصاديات البلدان تطورها لطبيعي مهما كان الضرر الذي سيتركه هذا الوباء وراءه؛ ولا يبتعد عن هؤلاء موقف أصحاب علم التطور حين يشبهون الجائحة بالانتقاء الطبيعي أو الاصطفاء الطبيعي أي أن الفيروس جاء ليقتل الأفراد الأقل قدرة في إطار "الكفاح من أجل الحياة" و"البقاء للأصلح". 

أما بالنسبة لأتباع نظرية المؤامرة، فإن الانتقاء الاصطناعي أي الانتقاء بفعل الإنسان قد يكون أصل الوباء بمعنى إمكانية تسرب فيروس كورونا، إثر تصرف خاطئ، من مختبرات سرية تقام فيها مختلف الأبحاث وتنفذ فيها جميع أنواع التجارب على الكائنات الدقيقة ولأغراض تلامس علم الخيال أحيانا وتتعارض أحيانا أخرى مع أخلاقيات العلوم والتكنولوجيا. بالمناسبة، لا أحد يجهل أن التقدم في مجالي تكنولوجيا النانو والهندسة الوراثية جعل المعجزات العلمية ممكنة وتفوق كل خيال  وتخيل.

وفي نفس السياق يعتبر المتدينون الكوفيدـ19 من تجليات غضب رب العالمين على عباد كثرت خطاياهم وذنوبهم حيث تم الخروج على الفطرة السوية وانتشر التلوث الأخلاقي داخل المجتمعات (زواج المثليين) وداس الناس على قوانين الطبيعة واختصارا حصل الخلط التام بين مرجعيات ومعايير ومحددات الخير والشر؛ وبالنسبة للمسلمين بالذات يمثل إغلاق الحرمين الشريفين في مكة والمدينة من علامات اقتراب نهاية العالم أو اقتراب ظاهر غير طبيعية أكثر كارثية من فيروس كورونا وأخواتها.

بغض النظر عن أصله وأشكاله وتجليات ظاهرته، فإن هذا الوباء بخلق مناخا ملائما لمنتجي الأدوية وممارسي الطب التقليدي والدجالة الطامعين جميعًهم في الاستفادة من نقاط الضعف لدى المرضى وذويهم عبر تقديم أدوية مزيفة وغير فعالة أو الترويج لخصائص غير حقيقية لنباتات طبية أو تقديم طلاسم مضللة.

وهذا المناخ الجديد قد يفتح أيضا الطريق واسعا أمام الشائعات والمضاربات بجميع أنواعها والتنبؤات بشأن مصير الكرامة الإنسانية، والتضامن الإنساني في إدارة الأزمات وبشأن ما سيكون عليه الحال بعد وباء كوفيدـ19.

على الصعيد السياسي، يتحدث المتشائمون عن أن الطريق الأمثل بالنسبة للدول العظمي  في تعويض خسائرها يكمن في تأميم الأموال المودعة في بنوكها والتحكم، عن قرب، في البلدان التي تمتلك المواد الخام وهي المستهلكة أيضا لمنتجاتها المصنعة؛ وهو ما قد يفسر باحتمال مراجعة خارطة العالم والعودة إلى الاستعمار المباشر للدول. 

إنها فرضية قد تدعمها طبيعة الأزمة الاقتصادية التي سيخلفها وباء كورونا إذ هي في نفس الوقت أزمة إنتاج (عرض) وأزمة استهلاك (طلب) مما يجعل آليات مواجهتها مستقبلا ستختلف لا محالة عن سابقاتها مما عرفته البشرية في النصف الأول من القرن العشرين.

من جهة أخرى يبدو لي كمراقب أن الطريقة التي يتم بها التعامل الآن مع وباء كورونا على المستوى العالمي، تذكر بتلك التي اتبعها كبار الملوثين عندما رفضوا دائمًا التضحية بالنمو الاقتصادي لصالح البيئة بشكل عام. والتغيرات المناخية بشكل خاص. فها نحن نرى اليوم الدول أيضا تأخذ قراراتها عقب تقييم ضمني (اقتصادي وليس من الناحية الأخلاقية) لعواقبها وكأنها تفاضل كل مرة بين التضحية بالنمو الاقتصادي وإنقاذ النفس البشرية.

وأخيرًا ، أذكر قادة العالم وقادة الرأي بعدم التسرع في إعلان النصر على فيروس كورونا إذ لم يتأكد بعد كسب المصابين مناعة ضده ولا تُستبعد عودته في كل موسم بارد وفي أشكال قد  يفاجأ العالم بتطورها جينيا وسلوكيا لا قدر اهضا في اتجاه لا نتمناه ولا نتصوره.  

 

اثنين, 20/04/2020 - 13:07