الأستاذ في فترة الأزمات

المصطفی ولد أگلیب

في فترة الأزمات تظهر معادن الشعوب ، تظهر قدرتها على التحدي والمواجهة ، ومواطن القوة لديها ، وقيمها الجامعة الناظمة : قيم التضحية والتكافل والإيثار والمحبة والرغبة في المساعدة ، تظهر قدرة الذات على تجاوز عالمها المغلق إلى عالم " الغيرية" المفتوح المنبسط عطاء وتفاعلا .

في فترة الأزمات تظهر حكمة القادة ، وقدرتهم على تحمل المسؤولية ، وصرامتهم في تطبيق الإجراءات التي تحمي الوجود والكيان ، متابعة دائمة وسهرا مستمرا وحرصا على الكل " كلكم راع ومسؤول عن رعيته "

في فترة الأزمات تظهر كفاءة الحكومات ، وحسن تقديرها وتدبيرها للأمور ، ووضع الخطط الناجعة الناجحة ، والإستعانة بأصحاب الخبرة والمسؤولية .

في فترة الأزمات ينبغي أن يتجاوز الجهاز الإداري بمفاصله المختلفة ، ومراتبه المتعددة ، نقاط ضعفه ومواطن عجزه ، وأن يجدد ذاته بذاته ، و إلا وجب التغيير والتجديد .

في فترة الأزمات يتسابق رجال المال والأعمال ، إلى "أعمال البر" والإستثمار في أوجه الخير ، رغبة في الأجر العميم ، وحرصا على ميثاق المواطنة وإحياء لضمير ران عليه الكسب المشكوك في حليته .

في فترة الأزمات يظهر إبداع النخبة المثقفة ، وقدرتها على إنتاج خطاب يغذي العقل ، ويشحذ الهمم ، ويصقل المواهب ، ويحرك الكوامن ، ويلهب المشاعر .

في فترة الأزمات تظهر الصحافة الجادة ، القادرة على المصارحة دون تخويف ، "وكشف الحقائق على ماهي عليه" دون مجاملة أو تحريف ، تنشر الوعي وتوجه المواطنين نحو أنجع الطرق والأساليب لمواجهة واقعهم المأزوم .

في فترة الأزمات يصبح فهم نصوص الوحي ومعرفة معطيات الواقع ، مقدما على حفظ النصوص ، لأن ذلك الفهم أمر ضروري لحفظ الأنفس .
في فترة الأزمات يظهر الفقهاء القادرون على تنزيل النصوص على الوقائع ، الفقهاء الذين لا يتمسكون بحرفية النصوص بل ينظرون إلى مقاصدها .

في فترة الأزمات ينبغي أن تكون "الدعوة" إلى الله وسيلة لتخليص المجتمع من أنماط سلوكه الخاطئة ، التي قد تقود إلى فنائه وانحطاطه وزواله ، ينبغي أن يكون الداعية نموذجا لتطبيق إجراءات السلامة فيسير الاتباع خلفه دون تردد .

في فترة الأزمات وفي غيرها من الفترات ، علينا أولا وأخيرا ، أن نؤمن بالله ، و نتكل عليه ، ونتوجه إليه ، خاشعين متضرعين ، فهو مالك الملك ، المدبر لهذا الكون المسير له ، هو مسبب الأسباب ، الذي جعل العلاقة بين الأسباب والمسببات " اقترانا " لا "ضرورة" ، وقد أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة .

وعلينا أن نعلم أن المغيب عنا من الأمور أكثر مما يظهر لنا وأنه في كل شر قد يوجد الخير .

أربعاء, 18/03/2020 - 10:04