إن تبني قراءة عرقية بحتة للعنف الذي يهز وسط مالي يعد خطأ. إن تعقيد المجتمعات في المنطقة يعني أنه يجب تفكيك هذه الأفكار المسبقة خاصة وأن القادة الجهاديين أنفسهم يسعون لتجاوز الانقسامات المجتمعية غالبًا ما نميل إلى إجراء قراءة عرقية للصراع بين باماكو والجهاديين في كتبية ماسينا في وسط مالي. من جانب المتمردين هناك رعاة الفلان وفي المقابل تحالف المزارعين مع جيش مالي. الفلان يدعون تقليديا المعرفة القرآنية وأنهم ورثة دولة إسلامية من القرن التاسع عشر. أما المزارعون فقد دخلوا الإسلام لاحقًا ولم يتخلوا عن معتقداتهم التقليدية.
لكن تعقيد المجتمعات في المنطقة يستلزم تفكيك الأفكار الجاهزة. يتحدث الدوجون لهجات كثيرة- لدرجة أنهم يستخدمون لغة الفلان في كثير من الأحيان للتواصل مع بعضهم البعض - وخاصة أولئك الذين لجؤوا إلى باندياجارا فرارا من غارات المسلمين.
تاريخيا تبادل السكان على نطاق واسع حيث تعاقب المزارعون ومربو الماشية على استخدام الأرض خلال المواسم الرطبة والجافة.
أمادو كوفا على مفترق الطرق
زعيم جهاديي ماسينا أمادو كوفا هو نفسه على مفترق طرق. والدته من الفولان لكن قيل إن عائلته جاءت من ميناء صغير لصيد الأسماك على مشارف تمبكتو كابارا والذي أنشأه المستعمر الفرنسي لاستيعاب العبيد السابقين الذين حُرّروا في شمال مالي. كان والده عالما أصبح إمامًا لقرية كوفا حيث كانت توجد محكمة الدولة الإسلامية أيضًا في منتصف عشرينيات القرن التاسع عشر.
اليوم يسعى الزعيم الجهادي إلى تجاوز الانقسامات المجتمعية لتوسيع قاعدته الاجتماعية. وهو يستشهد بالقيم العالمية والمتكافئة للإسلام من أجل التعالي على مضايقة واضطهاد نبلاء الفلان.
يُنسب إلى رجاله التدمير الرمزي لضريح مؤسس دولة ماسينا الإسلامية في عام 1818 سيكو أمادو قرب موبتي سنة 2015.
ورغم أنه لم يتبنّ هذا الهجوم فمن الواضح أنه كان يهدف إلى استهداف هيبة نبلاء الفلان بحجة أن إمامهم لم يكن وراثيًا وأن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قد حرّم تقديس الأجداد. وهو نفس المنطق الذي كان لدى من دمّروا مقابر المشايخ الصوفيين في تمبكتو في عام 2012.
تأسيس كتائب الدوجون
على المستوى التكتيكي حرص أمادو كوفا أيضًا على الخلط بين عناصر كتيبته للتغلب على إحجام مقاتليه عن قتل أفراد من أعراقهم. وهكذا قام بتأسيس كتائب من الفلان لمهاجمة الدوجون وعلى العكس من ذلك قام بتعبئة صيادي دوجون لمحاربة زعماء الفلان الذين قاوموه.
وفي ظل عدم حماية الجيش المالي لهم كان على جزء من الفلاحين الفلان أن يقسموا بالولاء له من أجل الاستمرار في زراعة حقولهم وإلا هددتهم الغارات. فيما انضم آخرون إلى المتمردين بدافع الحاجة إلى الاعتراف الاجتماعي أو لأنهم شعروا بالتخلي عنهم أو حتى التمييز ضدهم من جانب السلطات.
كما أدان كوفا التقاليد ما قبل الإسلام في الزواج ودعا إلى الزيجات المبسطة وحثّ الشبّاب على الزواج من نساء من مختلف الطبقات طالما كنّ مسلمات.
ونتيجة لذلك فإن كتائب الدوجون أصبحت في طور التشكل وتتركز في مناطق بوسط مالي وقرب الحدود مع النيجر.
كما أن مقاتليه على اتصال في أقصى الشمال مع جماعة أنصار الدين وإياد أغ غالي ومع كتيبة غورما التي استولى عليها العقيد المالي السابق باغ موسى بعد وفاة المنصور أغ القسام الذي قتل على يد الجيش الفرنسي في نوفمبر 2018.
ينبغي أن يدعونا هذا إلى إعادة التفكير في الرؤى الجاهزة حول الأسس العرقية للجهاد الأفريقي.
ترجمة موقع الصحراء
المتابعة الأصل اضغط هنا