قرأت ذات مرة أن جميل ابن معمر التقى كثير عزة وسأل كل منهما الآخر عن صاحبته وآخر عهده بها، فقال جميل لكُثيِّر: كان آخر عهد لي ببثينة ان التقيتها في الصيف الماضي بوادي الدوم، حيث كانت تغسل ثوبا لها صحبة بعض أترابها، ولما سألتها اللقاء وعدتني وأخلفت، ولم أجدها بعد ذلك. فقال له كثير: هل تضمن لي تدبير لقاء مع عزة إن نجحت في تدبير موعد لك مع بثينة؟ فأجابه : أفعل بالتأكيد، وافترقا على ذلك الاتفاق.
تحسس كثيِّر خبر أهل بثينة حتى عرف مكانها، وقام بزيارة بيتهم واستقبله والدها وأكرم ضيافته، وسأله عن أخباره مع عزة، -وكانت العرب تستمتع بالاستماع لأشعار الحب العذري- فأجابه -وكان يعلم أن بثينة تسمعه من مكان قريب- : لم ألتق بها منذ بعض الوقت بسبب غيرة زوجها الذي ألَّبَته علي يوم التقينا آخر مرة في الطواف فطفق يشتمني ويهددني وأخذت هي تسبني في حضرته وتصفني بأبشع الأوصاف... فعدل والد بثينة من جلسته وقد أخذ منه التشوق لردة فعل الشاعر كل مأخذ، وسأله: فبمَ أجبت؟ قال كثير: أجبته وأجبتها بقولي:
هنيئا مريئا غير داء مخامر
لعزة من أعراضنا ما استحلّتِ!
فطرب والد بثينة لهذا الرد واستعذبه أيما استعذاب...! فلما لاحظ كثيّرُ أن والد بثينة وقع في فخ طرافته وعذوبة شعره، استطرد قائلا: ليس ذلك آخر ما قلت لها من جميل الشعر... فبادر والد بثينة مستفهما، وهل قلت فيها شعرا بعد ذلك؟ قال كثير : أي نعم! قلت:
فقلت لها يا عزُّ أرسل "صاحبي"
على نأي دارٍ، والمُوَّكَّلُ مرسلُ
بأن تضربي بيني وبينك "موعدا"
وأن تخبريني بالذي فيه أفعلُ...
و"آخر عهد منك" يوم لقيتِني
بأسفل "وادي الدوْمِ" و "الثوب يغسلُ"!!
عندها ضربت بثينة خدرها كمن يبعد حيوانا متطفلا، وقالت : هس هس!! فصاح أبوها : ماذا هناك؟؟؟ ما بك؟؟! أجابته: لا شيء يا أبي... كلب يأتينا من وراء هذه الرابية إذا نوّم الناس!!
هنا وقف كثيَّرُ وودع أبا بثينة وانصرف في عجل، ثم التقى جميلا وقال له: بثينة تنتظرك وراء تلك الرابية القريبة من بيت أهلها إذا نوّم الناس! فذهب جميل للّقاء، وكان مكانه وزمانه كما قال كثير بالضبط!!
مسكين بعد والد بثينه ألل جابوها من فوك راصو امعدل كعدتو!!