بلاد المليون سياسي !

زين العابدين علي بتيش

Abed Ali‏

الخميس، 15 أغسطس 8:10 م ‎(قبل 6 أيام)‎

 

 

 

info

 

لا يهتم الموريتانيون بشيء كما يهتمون بالسياسة و الحديث فيها ، إذ لا تكاد تخلو من حديث بين اثنين أو ثلاثة او أكثر من ذلك
فللسياسة مذاقها الخاص عند الموريتانيين، لا يضاهيها شيء ، فهي حديث الساعة في الواقع و في الإفتراض .
و لا يقتصر الأمر على مجموعة من الناس مختلفة فكريا أو ثقافيا أو اجتماعيا ، بل إنها الشغل الشاغل لكل فئات المجتمع بكل توجهاته و أطروحاته و مدارسه .. ولا عيب في ذلك أبدا ، فإنما هذا يدل على وعي هذا الشعب و فهمه لحقيقة أهمية السياسة و تأثيرها في مختلف أوجه الحياة في الدولة المعاصرة ، بيد أن هذا الإهتمام يجب أن يكون مضبوطا بضوابط ، و محددا بحدود .
من الرائع أن يهتم شعب بشؤون بلاده و بقضاياها ، ومن الفخر كل الفخر أن يكون شعب بهذا المستوى من الوعي بأهمية السياسة في حياته ، ولكن ليس من المعقول ولا المنطقي أن نترك قضايا التنمية و التعليم و التربية و القضايا الأكثر أهمية و نظل نتحدث في السياسة و كأنها كل شيء .
من المهم أن يهتم المدون و الناشط السياسي و الفاعل الخيري و الفاعل في المجتمع المدني _ بشكل عام _ بالقضايا الأكثر تأثيرا و مساسا بالحياة اليومية للمواطن ( تمدرس البنات _ أهمية التعليم _ الحد من حوادث السير _ التنمية _ النهضة الإجتماعية _ نشر الثقافة الصحية .... )
صحيح أن السياسة تؤثر إيجابا أو سلبا في نهضة الدولة و المجتمع ، و لكن الحقيقة أيضا هي أنه و منذ زمن طويل تم الفصل _ في إطار الدولة المدنية _ بين الوظيفة السياسية و الوظيفة الإدارية ، و بالتالي فإن الإدارة تعمل في إطار من الإستقلالية عن السياسيين ، ومع ذلك فإن رغبة السياسيين الجامحة في التغيير للأفضل _ وخصوصا الحزب الحاكم _ تقود إلى إدارة أكثر فعالية و أكثر إنجاز ، كما رأينا و نرى في دول نهضت وشقت طريقها إلى النجاح من خلال أحزابها الحاكمة و نخبها السياسية .
في الحالة الموريتانية ، نجد نخبا تستغل غياب الوعي السياسي الحقيقي المنبثق عن معرفة فكرية سياسية لدى الشعب، و بالتالي نجدها تستغل الواقع المتخلف بما فيه من قبلية و جهوية و شرائحية للعب على أوتارها " أوتار القبلية و الجهوية ... " 
في المقابل نرى مجتمعا متخلفا لم يتشبع بالثقافة السياسية إلا في إطار من الفهم السقيم للعبة السياسية ، و هو فهم تطغى عليه الغوغائية و العصبية و الجهل " أنا أنتخب .. لن أنتخب إلا فلانا لأنه ابن عمي .. من قبيلتي .. من جماعتي العرقية أو الشرائحية " .. و في ذلك يغيب القرار السياسي الواعي في خضم العصبية القبلية ، و تحضر فكرة المعارضة كفكرة بعيدة كل البعد عن المنطق و الإستقلالية و القناعة ، فالمعارضة  لدى مجتمعنا_ ككل شيء تقريبا  _ خاضعة للمزاجية و العاطفية و الموقف السلبي من كل شيء ، و الرغبة في إظهار الوطن و كأنه أسوء مكان في الدنيا ، و عدم الإعتراف بأي إنجاز للحكومة مهما كان ، زد على ذلك الخلط بين النظام الحاكم والدولة كمنظومة متشكلة من الشعب و السلطة السياسية و الإقليم ...
أما الموالاة فهي الجانب الآخر للصورة ، موالاة بلا حدود ، لا تنتقد ، و لا تعرف اعتراضا على أي شيء ، لا ترى إلا الجانب المشرق في عمل الحكومة و تغض الطرف عن أخطائها ، و لم تدرك أن التنبية على الأخطاء ، و أن النقد البناء هو في مصلحة النظام الحاكم ، من أجل تلافي تكرارها ، و إصلاح الضرر مهما كان ،  و التراجع عن الخطإ حيث كان .
هذا الواقع انعكس على العالم الإفتراضي في موريتانيا ، حيث نجد معارضة لا تظهر إلا الجانب السلبي في الوطن ، فإذا كنت تتابع الشأن الموريتاني من الخارج فلا شك أنك سوف تظن أن كارثة حلت بموريتانيا ، ويزيد من ذلك المبالغات التي يقوم بها بعض المدونين ، المدونون الذين هم انعكاس لهذا الشعب السياسي بامتياز ، الشعب الذي تشبع بالسياسة حتى أصبحت بلادنا يمكن وصغها ببلاد المليون سياسي ..
لا أحد يريد من المدونين غض الطرف عن واقع البلاد المتردي على كل المستويات ، و لكن من المطلوب أيضا منهم إبراز الجانب المشرق لموريتانيا .. فموريتانيا ليست فقط دولة مستقلة 1960، بل هي تاريخ حضاري يمتد إلى ما قبل عهد المرابطين ، و موريتانيا ليست فقط حكومة و معارضة ، بل هي شعب عريق ثري بتنوعه الفكري و الإجتماعي و السياسي 
و موريتانيا ليست فقط تاريخ عريق ، بل جغرافيا متميزة بجمال هضابها و سهولها و رمالها و بحرها و بحيراتها و خريفها أضف إلى ذلك جمال موسم ما يعرف ب "الكيطنة "
و ليست موريتانيا بكل تأكيد مجرد ماض _ و إن كان من لا ماضي له لا مستقبل له _ بل هي مستقبل مشرق .. مستقبل سياسي لدورها في القارة الإفريقية وموقعها الجغرافي ، و مستقبل معرفي ، لأهميتها الثقافية و لما تشع من معارف عبر محاظرها و مدارسها و مؤسساتها التعليمية العليا..
ونحن ركب من الأشراف منتظم    أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة     بها نبين دين الله تبيانا
و مستقبل اقتصادي لما حباها الله تعالى من خيرات و ما من عليها من ثروات طبيعية " غاز و حديد و سمك ... "
فكل ما هو مطلوب من هذا الشعب أن يساهم في نهضة وطنه " تعليميا _ صحيا _ خدماتيا _ بنى تحتية.... " ، و أن يعبر بموريتانيا إلى الأمام ، و يتوقف عن الخوض في نقاشات لا طائل من ورائها ، و بالأخص النقاشات السياسية التي لا تقدم شيئا للوطن ، و لا أعني هنا نقاشات و حوارات النخبة ، فتلك إضافة نوعية و إثراء للحقل السياسي في جانبه النظري و في الجانب التطبيقي سواء بسواء 
مطلوب أيضا اهتمام بالقضايا الأكثر أهمية في موريتانيا ، و اعتبار أن هذا الوطن هو جزء لا يتجزء من أي مواطن فينا ، و أن الإساءة له ولرموزه و لمتصدري شأنه العام هي إساءة لكل مواطن ، سواء كان المتصدر : عالما أو رجل سياسة ، أو أكاديميا ، أو صحفيا ...
فالرضى بالإساءة للوطن و التشهير به يعدم الوطنية ، و يلقي بروحها في مهب الخيانة العظمى ، و ذلك لعمري العار كل العار .

بلادي و إن جارت علي عزيزة ... و أهلي و إن ضنوا علي كرام

أربعاء, 21/08/2019 - 11:15