يا قوم.. الشاي مُهدد !

الشيخ محمد حرمه

إن محاولة إقناع الموريتاني بترك الشاي والتخلي عنه، قتل للشيء الوحيد الذي أتقنه، واغتيال لحالة ذهنية أدمنها.. إنها إدانة جماعية لنا بالفشل.

 

قد يقول قائل إن الإتقان ظهر في بيوت ولاته وزخرفها، وفي موسيقى أولاد امبارك وأشوارها، وفي رقص إيمراغن مع الدلافين، وجمال نسوة الفلان وشهامة رجالهن، وفي عرق الحراطين المتطاير على وقع أهازيج المدح.

 

ربما !

 

ولكن حين يجلسُ الموريتاني القرفصاء، وأمامه عُدة الشاي، فإنه يتربع على عرش "الإتقان" في هذه البلاد.

 

الموريتاني حين يشرب الشاي، سواء على قارعة الطريق أو في السيارة، داخل مكتب استعلامات، أو في انتظار طبيب أو ميكانيكي، في الصالون أو المطبخ.. إنه في جميع الحالات يستحضر حالة ذهنية خاصة.

 

إنه لا يشرب وإنما يصيبه حالْ !

 

وهكذا يصبحُ الخروج من تلك الحالة الذهنية "دوخة" !

 

عرفنا الشاي منتصف القرن التاسع عشر، وليس من السهل إنهاء قرابة قرنين من العشرة.

 

حين جاء الشاي جلب معه وجبة تسبقه وقت القيلولة، فكان "الغداء".

 

مع الشاي انتهى عصر "الملح" في هذه الأرض، وبدأ عصر "السكر"، فكان أكبر مصدر للسعرات الحرارية في بلد فقير غذائيًا.

 

إنه غذاء !

 

لم يكتف الموريتانيون بذلك، بل إنهم حوّلوا الشاي إلى صنعة.

 

أحاطوه بطقوس خاصة، وسنوا له نظمًا وقوانين.

 

شغل العالِم قبل الجاهل، فاحتدم بسببه جدل فقهي مطلع القرن الماضي، فحرموه لأنه يشبه الخمر، ولأنه تبذير للمال، ويصيب بالصداع.

 

بل إن فقيها ألف كتابا ساق فيه حججا عديدة لتحريم الشاي، منها أنه يشغل الناس وقت السفر حين يعبرون مواطن السباع، فيعرضهم وأموالهم للخطر.

 

يا إلهي.. ما هذا الجنون ؟!

 

ولكن الشاي انتصر !

 

انتصارات الشاي كثيرة، فقد بقي بعد الجفاف، وصمد أمام التصحر، وتأقلم مع دولتنا الكسيحة، وتناغم مع مدننا "الجيتابل".

 

ظل عابرًا لأسئلة الهوية المعلقة، حين يُسمع خريره تسكتُ كل اللغات واللهجات، وتحت عمامته البيضاء تذوب كل الفوارق في سمرته.

 

إنه الإجماع الحق !

 

اليوم عرش الشاي مهدد، تماما كما حدث قبل مائة عام، حين انقسم الفقهاء حوله.

 

الفرق الوحيد هو أن معركة اليوم ليست مع الفقهاء، وإنما مع التجار.

 

التجار يعرفون كيف يتفادون الخسارة، وبالتالي يعرفون طريق الربح.

 

أما الدولة التي غابت عن معركة الفقهاء قبل مائة عام، تواصل غيابها عن معركة التجار.

 

لعل الدولة حليفة للتجار، رغم أنها تشرب الكثير من الشاي، ومكاتبها شاهدة على ذلك.

 

ومع ذلك قد ينتصر الشاي.. ربما !

 

أما إذا هزم الشاي، فستكون "ليبرالية البدو" قد اغتالت أكثر الأشياء جمالا في هذه الأرض.

 

بعد الشاي ستنتحر الحناء.. والكثير من الأشياء !

ثلاثاء, 21/12/2021 - 08:01