الحياة والروح: فالروح هي التي تعطي الحياة القدرة على الاستمرار، وفي حالة فقد الروح أو خروجها من الجسد كلية فإن الحياة تنتهي سريعا من هذا الجسد، فيموت ولا يستطيع أي مخلوق إعادتها للجسد أو إعادة الحياة إليه. والروح هي سر استمرار الحياة وامتدادها، ولا يعلم حقيقتها إلا خالقها.
(وإذا رجعنا قليلا إلى (المرحلة الخلوية) قبل تكوين الجنين فإننا نجد أن الحياة موجودة في الحيوان المنوي للذكر، وفي بويضة الأنثى قبل أن يتم التلاقح بينهما، فالحيوان المنوي الحي لا يلقح بويضة ميتة، وكذالك البويضة الحية لا يلقحها حيوان ميت، بل إن حيوية الحيوان المنوي لا بد وأن تكون بدرجة عالية حتى يتم التلقيح، وذالك أن الرجل حين يجتمع بالأنثى فإنه يقذف إليها بمئات الملايين من الحيوانات المنوية، التي تدفع في رحلة وسياق الحياة نحو الهدف وهو البويضة، ولا ينجح في إنهاء تلك الرحلة إلا بضعة مئات فقط من الحيوانات، حيث يستطيع حيوان منوي واحد منها فقط أن يخترق جدار البويضة ليتم التلقيح بينهما، وعند ذالك لا يستطيع أي حيوان منوي آخر اختراق جدار البويضة،
وعندما يتم التلقيح بين الحيوان المنوي والبويضة يمشج كل منهما ما عنده من مادة الحمض النووي DNA الموجودة على هيأة كروموسومات(chromosomes) تحمل عناصر الصفات الموروثة مع ما عند الآخر من صبغيات، لتتكون بذالك خلية كاملة العدد من هذه الصبغيات (نقطة الأمشاج) وذالك أن كلا من الحيوان المنوي والبويضة يحمل في داخله نصف العدد المميز للخلية البشرية من الصبغيات، فالخلية العادية تحمل ستة وأربعون من لكروموسات موزعة بين الحيوان المنوي 23 كرموزوم والبويضة كذالك. وهكذا تتكون خلية جديدة هي النواة الأولى للجنين وهي الزيجوت zygote، الذي يستقر بعد ذالك بيوم أو أكثر في (قرار مكين) وهو جدار الرحم لتبدأ بعد ذالك مرحلة جديدة من مراحل الانقسام الخلوي والتكاثر الخلوي والتخلق والتمييز إلى أنسجة، ثم أجهزة وأعضاء ، حتى يكتمل تدريجيا المظهر العام الخارجي والتركيب الداخلي للجنين الإنساني(66).
فمنذ الأسابيع الأولى تبدأ الأعضاء في التكوين مبتدئة على شكل براعم وتجمعات خلوية تأخذ في التميز تدريجيا لتصل في النهاية إلى شكلها الطبيعي البشري المميز، وحتى الأسبوع السادس فإننا نجد أن الجنين ينمو طوليا بمعدل مليمتر واحد كل يوم، وبالطبع فإن مليمتر واحد زيادة في النمو الطولي يعني إضافة ملايين الخلايا الجديدة لجسم هذا الجنين النامي، ويلاحظ أن أعلى معدل للنمو يكون بعد نهاية الشهر الرابع من الحمل، حيث تكون أجهزة الجسم قد أخذت شكلها النهائي، ويكون المظهر الخارجي مميزا للجنين البشري، فالوجه والأطراف والأصابع والأعضاء التناسلية قد أخذت جميعها الشكل المميز، وخلال المرحلة السابقة يكون الجنين قد مر بمرحلة العلقة متعلقا بجدار الرحم، مستمدا غذاءه من هذا الجدار بما فيه من أوعية دموية وأنسجة تتحول تدريجيا إلى «المشيمة» وبعد ذالك يأخذ الأشكال المعروفة في علم الأجنة وهي:
النطفة، العلقة، المضغة، العظام والعضلات، التصوير، التسوية والتعديل،اكتمال الجنين..
نترك منظار علم الأجنة قليلا. ونقرأ في القرآن قوله تعالى:
﴿ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر﴾.(67)
وبعودة إلى منظار علم الأجنة من جديد فإننا:
نشاهد الجنين حي بكل ما للحياة من معنى وبكل ما لها من مظاهر وعلامات تدل على وجودها، فها هي الخلايا تنقسم بنشاط وبسرعة كبيرة ، وهاهي العمليات المختلفة مستمرة داخل تلك الخلايا ليل نهار، وهاهي العلقة ثم المضغة المخلقة وغير المخلقة تتغذى وتأخذ حاجتها من دم الأم بواسطة تلك البراعم التي تنمو فيما بعد لتكوين ما يعرف بالمشيئة Placenta، وهاهي تتخلص من فضلاتها عن طريق المشيمة كذالك إلى دم الأم أو عن طريق ما يحيط بالجنين من سائل يسمى الأمنيوزي amoniotie fluid، وها هو قلب الجنين ينبض يندفع الدم في أوعية الجنين الدموية، هاهي عجلة الحياة تدور وتنتظم أمور ذالك الجسد المتخلق وتناسق أعضاؤه وتقترب أجهزته ويقترب مظهره من الشكل البشري الذي يستطيع أن يستقبل الروح فهل من تفسير لهذه الحالة؟!
نقرأ في القرآن قوله تعالى:....يتواصل......