الزواج في موريتانيا بين مطرقة الواقع وسندان المجتمع(2)»

خدجة سيد محمد

 في المنشور السابق وضعت يدي على الجروح التي أنهكت نظام الزواج الموريتاني فأمطت عنه اللثام وأبنت ما فيه  من خلل واختلال ثم وعدتكم بمنشور لاحق يقدم العلاج للداء العضال ويضع الحلول التي يراها ناجعة، ووقوفا عند وعدي أضع هذا المنشور التالي بين أيديكم  :

 

«تتميز الخليقة البشرية بوحدة انسانية كاملة في التكوين الجسدي والطبائعي والمشاعري والاحساسات والتطلعات والآلام والآمال والحاجات والضرورات،وتتحدد العلاقة بين الرجل والمرأة في النظام الاسلامي على أساس المساوات الكاملة في التكوين ووحدة الخلق والايجاد وهذا ما عبر عنه القران بقوله«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»
  
وعبر عنه الرسول الكريم 
بقوله«إنما النساء شقائق الرجال».

فالأسرة إذا هي مظلة انسانية متكاملة وضرورية لبناء النفس وممارسة المعيشة الهانئة ورفد نظام المجتمع بعناصر البناء المتنوعة.

أما بناء النفس المحقق للنمو الجسدي والنفسي فيوفره الزواج من خلال اشباعه النزعات الفطرية والميول الغريزية وذلك من اجل التوصل الى تحقيق منهج الوسطية والاعتدال دون اباحية تؤدي الى الفوضى والاختلال.

 

وأما ممارسة المعيشة الهانئة فتحصل من خلال الأسرة التي توجد تجمعا صغيرا يحقق تعاونا بناء تخيم فيه أجواء المحبة والسلام.

وأما رفد نظام المجتمع فيحصل من خلال تكوين مجتمع متماسك ومتوازن تنمو فيه روح التبعية والمسؤولية التي تحث على اثبات الذات أو الشخصية الخاصة،فتشيع بذلك خصال الايثار والتضحية والأمانة ليصبح المجتمع مجتمعا فاضلا تجد فيه كل فئة عمرية حاجياتها الضرورية..فالاطفال يجدون مناخا صالحا لمراحل نموهم النفسي والجسدي،كما يجد الشيوخ المسنون العائل الذي يساعدهم على احوال ضعفهم ويخفف همومهم ويقلص متاعبهم. 

أما المراهقون والشباب فيجدون فضاء رحبا يحتضنهم ويلملم جروحهم وهمومهم ويتفهم مشاعرهم وتطلعاتهم،فمن حق الشباب أن ينعموا بكافة حقوقهم الجسدية والعاطفية بما في ذلك حق الزواج،لأنه جزء لا يتجزء من حياتهم وإذا لم يتفهم المجتمع حاجتهم هذه فسيجدون بدائل  لا تنسجم مع قوانين المجتمع وأعرافه،فبدل أن نلومهم على أمر مارسوه بطريقة عشوائية وشاذة علينا نحن كمجتمع أن نوفر لهم البدائل ونفتح معهم حوارا هادئا حول رؤيتنا  للزواج،فرسولنا الكريم قد حاور الشاب الذي استأذنه في الزنا ليسن لنا بذلك سنة الحوار فسأله «أترضاه لأمك..أترضاه لأختك حتى طالت الكلمة جميع محارمه،وأعطاه الوقت حتى يرجع إلى قرارة نفسه فأجابه الشاب قائلا:(لا)..فإذا كان النبي الكريم على مقامه ينزل إلى رتبة هذا الشاب محاورا له ومناقشا فكيف بنا نحن ننأى بأنفسنا عن هذا الأسلوب التربوي.

فعلى الآباء ان يعوا هذه الحقيقة فالعالم تغير وأصبح قرية واحدة،فبينما تتجاهل انت حاجة  ابنك-(ذكرا كان أو انثى)- الضرورية وتربط حقه البشري بظروف استثنائية لا تتحقق غالبا إلا بعد تجاوز عنفوان الشباب بينما تنشغل أنت بهذه التصورات يجد ابنك متنفسا في العالم الافتراضي فينفتح على بحر الاباحية المتلاطم مدمنا على فنونه الخيالية فيصبح مدمنا يعاني من الكبت  وهو مستعد للتضحية بكل شيئ من أجل قضاء هذه الرغبة وفي ظل هذه الحالة المعقدة يصبح طعما سائغا لتجار الانحراف ،فعرض بسيط  قد يحوله إلى كلب مسعور يعض كل من يقف في طريقه.

 إن الزواج اليوم أصبح ضرورة ولم يعد مجرد نكهة نزين بها أطباقنا بعد نضجها واكتمالها...

أيها الآباء إنكم مهما حاولتم التصحيح فلن تفلحوا ما لم تجنحوا  إلى سبيل التبسيط الذي هو مرهم ناجع لهذه الاشكالية الحساسة..فتبسيط العلاقات الاجتماعية حصانة للمجتمع من التفكك والعزلة التي تفتك به وتحاصره من كل جانب،فبهضمنا لحقوق هذه الطبقة الوسطى  تسببنا في انهيار حاد في منظومة الأعراف والأمن..فيا أيها الآباء يا من تقاسمتم العناية بالأسرة لا تترددوا في مد يد العون لأبنائكم واليكن معيار العلاقة معهم هو الوسطية بين الجد والحزم والتسامح واللين وبين تقدرير المخاطر والحفاظ على روحنا الاسلامية من غير تفريط ولا تجاوز واضعين بين أعيننا أوضاع العصر وتطوارته ومخاطر المستقبل حتى نصبح عونا لأبنائنا على حياتهم غير موغلين في المطالب المادية البحتة حتى لا نصطدم مع سنة الله في خلقه:«خلق منها زوجها ليسكن إليها»فالهدف من هذا كله أن نصل إلى حلول واقعية لمشكلة الزواج.

قد أكون أطلت عليكم في هذا الموضوع ولكنّ الحاجة لا زالت داعية لمزيد من البسط والتحليل والاستنتاج،ولا زلت على يقين بأن هذا الموضوع له علاقة وطيدة بجميع مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية بل وحتى السياسية فهل من يعجز عن ادارة البيت الصغير بحنكة ودهاء يقوى على بناء دولة وحلحلة مشاكلها المتراكمة والمتشعبة؟...أوليست الدولة ما هي إلا عبارة عن أسرة كبيرة؟..وعليه فلا زال للحديث بقية ولا زال في جعبتي الكثير لأضعه بين أيديكم كلما سنحت لي الفرصة  وأسعفني الوقت...كما تسرني تعليقاتكم وتعقيباتكم وملاحظاتكم وأفتح لها صدرا رحبا فما استقام شيئ إلا بالتقويم والتوجيه...

ثلاثاء, 08/12/2020 - 19:09