ولد بوحبين يدعو الفرنسيين إلى تحريم الرسوم المسيئة للأنبياء

من الأستاذ أحمد سالم ولد بوحبيني إلى الحكومة والنواب الفرنسيين:
حرّموا الرسوم المسيئة للنبي (صلع) بنفس المنطق الذي حرمتم به إنكار محرقة اليهود
 
حرية التعبير هي حق كل شخص في التفكير كما يشاء، وقدرته على التعبير عن رأيه بكل الوسائل التي يراها مناسبة. هذا الحق الضروري في البلدان الديمقراطية، تكرسه الغالبية العظمى من دساتير العالم. وإن النقاش الأكثر شيوعا يدور عموما حول معرفة ما إذا كانت حرية التعبير مطلقة أم يمكن تضييقها والحد منها.
وكمساهمة مني في النقاش الحالي حول الكاركاتيرات وحرية التعبير، يسرني أن أوجه إليكم، السادة والسيدات أعضاء الحكومة الفرنسية والبرلمان الفرنسي، دعوة للشروع في اعتماد قانون يحرم الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، انطلاقا من كون حرية التعبير ليست مطلقة في فرنسا كما يشهد عليه قانون غيسو الذي نورده هنا كمثال حي. فهذا القانون، الصادر يوم 13 يوليو 1990، يحرم أي خطاب ينكر محرقة اليهود أو يشكك، بأي وسيلة، في وجود غرف الغاز وإبادة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
 
1- فرنسا ليست متشبثة بحرية التعبير بالدرجة التي تدافع بها عنها اليوم: قانون غيسو مثال ناصع.
 
يكرس قانون غيسو مخالفة الإنكار في الجانب الخاص بالجرائم التي ارتكبها النازيون خلال تلك الحرب. وكانت محكمة كانْ الفرنسية قد أصدرت حكما بسنة من السجن بتهمة "إنكار الجرائم ضد الإنسانية" بحق فينسان رينوار أستاذ الرياضيات الذي طرد سنة 1997 من التعليم الوطني. كما أدانت المحكمة روبير فوريسون بدفع فرنك رمزي للرابطة الدولية لمناهضة العنصرية وعداء السامية كتعويض وجبر للأضرار المعنوية التي لحقت بالروابط جراء تصريحاته. من جانبه، تمت مقاضاة دافيد إيرفينغ في النمسا على خلفية تشكيكه في هذه الفرضية التاريخية.
والحقيقة أن التشكيك في فرضية تاريخية لا يمس المقدسات من قريب ولا من بعيد، ولا شيء أكثر شرعية منه في بلد يحترم حرية التعبير. يقول الكاتب الفرنسي هونور دو بلزاك بأنه يوجد تاريخان: التاريخ الرسمي الكاذب والتاريخ السري. ألا يقال ان التاريخ يكتبه المنتصرون؟.
بالنسبة لروبير فوريسون الذي أدين، فإنه لا ينكر استخدام الغاز كمطهر للمكان، لكنه يشكك في وجود غرف الغاز المبيد للبشر في معسكر أوشويتز وباقي معسكرات الاعتقال النازي، إذ يقول: "لن تجعلني المحكمة أقول بأن اثنين زائد اثنين تساوي خمسة، وأن الأرض مفلطحة، وأن محكمة نورمبيرغ معصومة من الخطأ. إن لدي الحجج الدامغة لكي لا أومن بالسياسة المزعوم أنها متبعة لإبادة اليهود أو أن أومن بغرف الغاز السحرية". وختم متسائلا: "أي شيء أكثر شرعية، في دولة قانون تكرس حرية التعبير، من أن نشكك في رواية للتاريخ كتبها المنتصرون؟ أين هي حرية التعبير؟".
عندما ألقى روبير بادنتير وصف "مزور للتاريخ" على فوريسون، تقدم ضده بشكوى بتهمة القذف، إلا أن العدالة رفضت الشكوى، ففي حكم قضائي أعلنت المحكمة العليا بباريس، بعد الاستئناف يوم 12 ابريل 2018، أن القول بأن فوريسون "كذاب محترف" وأنه "مزور" وأنه "مزيف للتاريخ" يماثل الحقيقة.
إذن أين هي حرية التعبير في فرنسا؟
وفي مثال آخر، تم فصل المحامية الألمانية سيلفيا استولز من مكتب هيئة المحامين وحكم عليها بـ 20 شهرا من السجن بدعوى أنها دافعت عن أرنست زينديل وجرمار ريدولف الذيْن أنكرا المحرقة، فأين هي حرية التعبير؟..
يعتقد المؤرخ الفرنسي فيدال ناكي بأن الأمر يتعلق هنا بإعاقة جلية لحرية التعبير، فبالنسبة له "ليس على المحاكم أن تحدد الحقيقة التاريخية وأن تجعل من الهوليكوست حقيقة قانونية".
في دجمبر 2005، احتجت رابطة المؤرخين، المسماة "الحرية للتاريخ"، على قانون غيسو وقانون 29 يناير 2001 الذي اعترفت فيه فرنسا بإبادة الأرمن سنة 1915، مؤكدين في ميثاقهم أنه "ليس من مهمة القانون كتابة التاريخ" وأن "التاريخ ليس موضوعا قانونيا"، ففي بلاد حرة، ليس من مهام البرلمان ولا السلطة التشريعية تحديد الحقيقة التاريخية. فسياسة الدولة، ولو انطوت على حسن النية، تختلف عن سياسة التاريخ.
 
2- إذا كان من الممكن، كما يربهن عليه قانون غيسو، أن نعمل على تضييق حرية التعبير، أليس من المناسب أن نوسع ذلك التضييق ليشمل الرسوم المتعلقة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
توجد حدود لحرية التعبير، فبعض التعبير يعاقب عليه، لذلك نرى أن تجاوز حدود حرية التعبير يحيل إلى ارتكاب مخالفة يمكن أن يدينها القضاء. ذلك هو موقف القانون الفرنسي.
ويتضمن مبدأ حرية التعبير المكرس في الفقرة الأولى من المادة 10 من المعاهدة الأوربية لحقوق الانسان، كما تنص الفقرة الثانية منها، تقييدات لحرية التعبير وعقوبات ضرورية في مجتمع ديمقراطي.
ويمكن لفرنسا أن تبدأ في اعتماد قوانين مقيدة لحرية التعبير أو، بشكل أدق، تحدّ من عنفوانها بإبعاد بعض المواضيع من مجالها.
 
السادة والسيدات أعضاء الحكومة والبرلمانيين الفرنسيين، لماذا عدم اعتماد قانون يحرم الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد (صلع) ويحرم الإساءة إليه وإلى كل الأنبياء؟ فالقانون الفرنسي يمنح هذه الإمكانية عكسا للولايات المتحدة الأمريكية التي تضمن حق حرية التعبير من خلال أول تعديل للدستور الأمريكي الذي يؤكد أن "الكونغريس لن ينشئ أي قانون يحد من حرية الكلام أو الصحافة"، حتى ولو أن القانون الأمريكي لا يبعد بعض الاستثناءات المتعلقة بالتضييق المبني على الفحوى (التحريض على العنف الوشيك، التهديدات الملموسة، الخطابات التشهيرية، إلخ).
ألا تبرر الحكومة الفرنسية قانون غيسو بأنه يملأ فراغا في الترسانة الردعية بالمعاقبة الجنائية لأفعال من يشككون في قضية إبادة شعب اليهود ووجود غرف الغاز، وأنه لابد من جعل "فرضيات إعادة النظر" قابلة للعقوبة بينما كانت في السابق خارج إطار أي توصيف جنائي لأنه لا يمكن أن يطالها تحريم الميز العنصري، والتحريض على الكراهية العنصرية، وتمجيد جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية؟.
 
السادة والسيدات أعضاء الحكومة والبرلمان الفرنسي، أليس من المناسب الشروع، بنفس الآلية ولنفس الأسباب، في اعتماد قانون يحرم أي رسم كاريكاتيري يسيء إلى النبي محمد (صلع) ومن بعده كل الأنبياء؟
خلال محاكمة روبير فريسون، اعتبرت المحكمة أن مواقفه جارحة للناجين من معسكرات الاعتقال وقادحة لذكرى الضحايا التي يتم تشجيع الجمهور العريض على جهلها أو حتى التشكيك فيها. أليس من المناسب، بنفس الآلية ولنفس الأسباب (الرسوم الجارحة والقادحة) أن تبدأوا في اعتماد قانون يحرم كل رسم يسيء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإلى كل الأنبياء؟
رد المجتمع الفرنسي على منكري المحرقة كان في الميدان التشريعي. وقد اعتُمد قانون غيسو في ظرف خاص، أي بعد شهرين من إحراق مقبرة كربانترس اليهودية (مساء 9 مايو 1990). كان الهدف من هذا القانون واضحا وهو وقف نشر الفرضيات المنكرة لمحرقة اليهود ومعاقبة مرتكبيها.
 
السادة والسيدات أعضاء الحكومة والبرلمان الفرنسي، أليس من المناسب أن تبدأوا، بنفس الآليات ولنفس الأسباب (وقف نشر كاريكاتيرات مسيئة للنبي محمد صلع ومعاقبة مرتكبيها) في اعتماد قانون يحرم أية رسوم تسيئ إليه وإلى الأنبياء بصفة عامة؟
لقد أوقفت فرنسا، من خلال قانون غيسو، وبقوة التشريع، إنكار الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة خلال الحرب العالمية الثانية التي أصبحت مخالَفة بعد تعديل إجراءات القانون الجنائي بمنح حقوق جديدة للروابط التي تجعل من نفسها طرفا مدنيا وبتشديد العقوبات المتضمنة.
 
السادة والسيدات أعضاء الحكومة والبرلمان الفرنسي، أليس من المناسب أن تعتمدوا، من خلال نفس الآلية ولنفس الأسباب، قانونا يحرم كل رسم كاريكاتوري وكل إساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإلى الأنبياء بصفة عامة؟
عندما تبين أن المادة 24 (المكررة) كانت متعارضة مع المادة 10 من المعاهدة الأوربية لحقوق الانسان التي تحمي حرية التعبير، أكدت الأحكام الصادرة عن المحاكم الفرنسية والمحكمة الأوربية لحقوق الانسان أن المشتكين ليسوا على حق. واعتبرت هذه المحاكم أن التدخل في حرية التعبير مشروع بحكم حماية حقوق أخرى، وأن النص الرادع للمخالفة المتعلقة بإنكار الجرائم ضد الإنسانية يمَكّن من حماية النظام العام والحفاظ على السلم الاجتماعي.
 
السادة والسيدات أعضاء الحكومة والبرلمان الفرنسي، أليس من المناسب أن تعتمدوا، بنفس الآلية ولنفس الأسباب (حماية النظام العام والحفاظ على السلم الاجتماعي) قانونا يحرم كل كاريكاتير وكل إساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء بصفة عامة؟
باعتماد قانون يحرم رسوم النبي محمد (صلع)، فإن فرنسا تعتمد إجراءات ضرورية للأمن الوطني وللأمان العمومي والدفاع عن النظام والوقاية من الجريمة. ففي ذلك مصلحة لفرنسا لأنه "لن يتم المساس بالنبي محمد (صلع) من خلال تصريحات ناتجة عن الكراهية أو من خلال رسوم تافهة".
 
السادة والسيدات أعضاء الحكومة والبرلمان الفرنسي، أليس من المناسب أن تعتمدوا قانونا يحرم كل كاريكاتير أو إساءة إلى النبي محمد صلع وإلى كل الأنبياء باسم القانون الفرنسي وخاصة مفهوم استغلال القانون الذي يخول معاقبة كل استعمال للقانون (أو البنود المفرطة) التي تتجاوز حد الاستخدام المنطقي (حسب القانون الفرنسي فإن الإفراط في استغلال الحق يعني استخدام أي شخص، من بين عدة طرق لممارسة حقه للحصول على نفس الاستفادة، للممارسة الأكثر إضرارا بالآخرين).
ولأن القانون الفرنسي يمكّن من سحب المساس بالعَلم من نطاق حرية التعبير، وكذا المساس بالنشيد الوطني وبالقضاة (يشكل إضرارا قيام أي هيئة، دونما مصاحبة بتصريحات قدحية، بما من طبيعته شل السلطة المعنوية للقاضي أو إضعاف الاعتبار الممنوح له) وكذا رواية للتاريخ، فلمَ، السادة والسيدات أعضاء الحكومة والسادة والسيدات النواب، لا يوسّع هذا القانون ليشمل الصور المسيئة لنبي لا شك أنه أجدر بالاحترام من العَلم والنشيد والقاضي والرواية التاريخية؟.

اثنين, 02/11/2020 - 14:31