"قراءة في رواية وادي الحطب"

خولة الحبيب

في صفحاتها الأولى يتضح مدى نضج  الأسلوب الفني ورزانة السرد للكاتب "الشيخ البان" من خلال المقادير المناسبة التي استخدمها لطبخته التاريخية "وادي الحطب" التي تؤرخ لفترة مهمة من تاريخ البلاد الاجتماعي، الفترة الإستعمارية الفرنسية،  في مايزيد على نصف الرواية كان كل شيء بمقداره المضبوط اللغة الوصف السرد بل في سياقه المثالي .

استطاع الشيخ البان أن يبنى شخصية أبطال الرواية  جيدًا رغم ان القارئ قد يصاب بحيرة في تحديد الشخصية المحورية من بينهم ( أمهادي وخطري وسلماتي ولمرورح وحتى لمرابط ) 
إذ اتبع الكاتب أسلوب  توزيع الأدوار بمساحة كبيرة للجميع تماما مثل ما يحدث في بعض الأعمال الدرامية .

ولأن الرواية كما تعلمون على طرافتها توصل من المعاني والحقائق ما لا تستطيع المقالات والكتب والمجلدات وصفه في زمنٍ ما، حيث يغترف الكاتب من الواقع في أحداث  قصصه ورواياته.

عكست وادي الحطب أبعاداً إديولوجية هامة تنم عن قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية  داخل المجتمع الصحراوي التقليدي في منطقة أفله (الحوض الغربي) حيث تناولت الرواية هذا المجتمع في حقبة الاستعمار  الفرنسي، إذ  سلطت الضوء على القيم  الاجتماعية والعادات  والتقاليد  وعلاقة شيوخ القبائل بالفرنسين،  كما تناولتْ الرواية واقع المظالمِ الاجتماعية التي كانت تعاني منها بعض الشرائح (ما يسمى بالعبودية مظالم لمعلمين ...)

وبين طيات الرواية  نجد واقع الأدب والموسيقى والفن الشعبي،  وإن كان الكاتب  ركز  على تصوير واقع العبودية من بداية الرواية حتى نهايتها تجد رسما دقيقا  لحجم  ملامح الظلم الذي وقع على الأرقاء السابقين .

إن المتتبع لأحداث الرواية يمكنه أن يرى بوضوح  أن وادي الحطب قبل المنتصف  هنالك مجهودًا جبارًا في حبك وتضفير الأحداث ، كما نرى بحثًا مضنيًا لإيجاد اللغة المناسبة للعصر الذي تدور فيه الأحداث.

كأن النصف الأول من الرواية كٌتب بصبر  صائغ الذهب الدقيق ،أما بعد المنتصف ضاق البان  بالمهنة فخلع ملابس صائغ الذهب الدقيق وارتدى ملابسه التي يرتاح فيها، حيث الكثير من الوصف والحلول السريعة المبتورة، ومنح البطولة للكاميرا والوصف. مما قد يصيب القارئ بالملل.

بل وارتدى ملابس  المؤرخ  في النهاية  مختبئا وراء  لسان كزافيه الفرنسي حيث ختم الرواية بأسلوب الباحث الذي ينثٌر في الخاتمة  خلاصة ما  ماتقدم من جهده في البحث. 

على الكاتب أن يُقدم معلومات دائمًا للقارئ، ليست معلومات خارجية أو علمية لكنّها معلومات عن النص وعن الأبطال. يجب أن تحتوى كل جملة على حدث جديد، أن يشعر القارئ أنه يسير للأمام دائمًا. وعلى الكاتب إذا كان لا بد واصفًا أو مستعرضًا لغته أن ينثر الوصف بين ثنايا النص. بين كل حدث وآخر يضع كلمةً جديدةً أو وصفًا لشيء داخل النص.

ومن المُحرّم أن يعامل الكاتب قراءه كأنهم في لعبة فيديو فيضعهم على وضع الإيقاف المؤقت ريثما يكمل جلالته وصفًا أو يخبرهم حكمةً في فقرة كاملة أو صفحة.

لا تعارض بين  ما سبق وبين أن الكاتب متعدد المواهب استطاع أن يطوع اللغة لتتناسب ومفردات اللهجة الصعبة في ذلك العصر  بأسلوب سلس متمكن خاصة قبل المنتصف .

سبت, 24/10/2020 - 10:44