زوم الصحراء (9).. هل يضيق الساحل بالوجود الفرنسي؟

تتشكل منذ سنوات في منطقة الغرب الافريقي ومنطقة الساحل حالة من الحساسية من الوجود الفرنسي والتبعية لفرنسا.

 

تطورات الأشهر الاخيرة في العلاقة بين فرنسا و مالي التي بلغت ذروتها الأسبوع الماضي؛ بإعلان فرنسا نيتها سحب قوات برخان بشكل منظم وطلب مالي منها مباشرة الانسحاب على الفور؛ جعلت المتابعين لملف العلاقات الفرنسية الغرب افريقية يجهرون بطرح السؤال من زاوية أعمق وأشمل ؛ ماهو مستقبل الوجود الفرنسي في المنطقة التي تحسبها باريس من مناطق نفوذها الاستراتجية، وماهي الأسباب التي جعلت علاقة ممتدة لأكثر من قرنين تنهار بهذه الدراماتيكية؛ هل يضيق الساحل بما اتسع بفرنسا وتفتح الصحراء أفقها الفسيح لقوى دولية جديدة.. ؟

 

جذور التذمر

صحيح أن مالي هي عنوان الأزمة الصارخ؛ لكن الحقيقة أنها ليست سوى عنوانا ضمن عناوين عديدة؛ فأخبار الأسابيع الأخيرة وحدها تكشف ذلك بوضوح:

 

- حديث الرئيس الايفواري آلاسان واترا في مقابلة مع وسائل إعلام فرنسية عن وجود بدائل في الشراكة الاقتصادية عن فرنسا وأوروبا، في حال لم يغير الأوروبيون نظرتهم لطبيعة العلاقة وأسس الشراكة.

- افتتاح زعيم المعارضة السنغالية عثمان سونوغو مأموريته البلدية في عاصمة الجنوب بالسنغال (زغنشور ) بإزاحة اسم فرنسا من أحد الشوارع الرئيسة واستبداله بإسم الاتحاد الافريقي.

 

- الجولة التي يقوم بها هذه الأيام الرئيس التركي طيب أردوغان لدول افريقية ( بالأمس كان في الكونغو؛ واليوم في السنغال).

 

وقبل هذه الأخبار المستجدة هناك حالة من التذمر تراكمت ضد فرنسا وميراثها وحصيلة التعاون معها، وترجمت:

 

- حراكا شبابيا انتظم في بلدان الغرب الإفريقي يجهر بضرورة القطيعة مع فرنسا وخصوصا في الجوانب الاقتصادية، ويركز بصفة أساسية على ضرورة فك ارتباط الفرنك الافريقي (السي فا) بفرنسا.

 

- نشاطا متزايدا في العلاقات الخارجية مع بلدان أخرى؛ وقد مثلت العلاقات مع الصين وتركيا العنوانين الأبرز في المجال الاقتصادي، وكثرت التحليلات المبرزة للجوانب الإيجابية في العلاقة مع هذين البلدين برغم قصر مدتها وسلامتها من شوائب "التبعية" ولواحق الاستعمار.

 

- وكانت ثالثة الأثافي الدخول الروسي على الخط، وهو دخول وصل الغرب الإفريقي قادما من الشمال ( ليبيا) والوسط (وسط افريقيا)، وقد استعادت فيه روسيا خطوط وخيوط علاقاتها الممتدة لعقود مع النخب الافريقية التي تكونت في الاتحاد السوفييتي، مستفيدة من ميراث مناصرة موسكو أيامها للتحرر من الاستعمار.

 

انسحاب أم إعادة انتشار؟
مع أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكروه أراد في المؤتمر الصحفي الذي ظهر خلاله محاطا  بالرئيسين السنغالي ( الرئيس الدوري للاتحاد الافريقي) والغاني (الرئيس الدوري للمنظمة الاقتصادية لدول غرب افريقيا) أراد أن يوصل رسالة خلاصتها لدينا مشكل محدودة مع المجلس العسكري الحاكم في مالي (سماه في المؤتمر الصحفي الطغمة العسكرية التي لانشاطرها الرؤية ولا الأهداف المخفية) لكن الواضح أن المشكل أعمق، وهذا ما يمكن رصد مؤشراته في:

 

- عدم حضور رؤساء موريتانيا والنيجر واتشاد للمؤتمر الصحفي خلافا لما ظل الاعلام الفرنسي يكرر على مدى أيام سابقة لذلك.

 

- البرودة الملحوظة في تعاطي عدة بلدان مع مقترحات استقبال القوات الفرنسية  الموجودة حاليا في مالي (وحدها النيجر أعربت عن استعدادها لاستقبال القوات على حدودها مع مالي)
وبرغم كل ما سبق من تراكم تذمر؛ ومؤشرات غضب لايمكن الاستسلام للتحليلات المتسرعة التي تعتبر أن أيام فرنسا في المنطقة محدودة لذاك:

 

- أن الحالة التي ترفع العقيرة في وجه فرنسا في المنطقة حاليا حالة انقلابية تواجه مشكلات  إقليمية ومعارضة داخلية متزايدة برغم محاولتها الاحتماء بالحمية الوطنية في مواجهة المستعمر.

 

- الوجود الفرنسي في المنطقة متجذر ثقافيا، واقتصاديا ودبلوماسيا -وشعبيا حتى- لذا فليس من الوارد التخلص منه بهذه السهولة التي "يتمنى" البعض.

 

- القوى المنافسة (الصين روسيا، تركيا..) لا تمتلك حتى الآن الرؤية ولا القدرة التي تجعلها قادرة أو مؤهلة لتحتل مكانة فرنسا وترث نفوذها.

 

من هنا يمكن القول - ختاما- إن الأزمة الحالية في العلاقات الفرنسية - المالية، وإن مثلت امتدادا لأزمة أقوى وأعمق في الساحل والغرب الإفريقي لكنها لاتعني انقلابا وشيكا في ميزان التأثير الدولي في منطقة يبدو أنها تتجه لطور من عدم الاستقرار  قد يطول ويتشعب؛ لينتهي في الغالب لإعادة ترتيب للعلاقة بين باريس ومستعمراتها السابقة ربما تتضح معالمه أكثر بعد انتخابات الرئاسة الفرنسية الصيف القادم.

اثنين, 21/02/2022 - 17:35