ماذا يحمل التقارب العربي الصيني؟

تمارا برّو

شهدت الصين والدول العربية مؤخراً حركة اتصالات كثيفة نتج عنها توقيع المغرب على اتفاقية تنفيذ مشترك” لمبادرة الحزام والطريق” ، وانضمام سوريا إلى المبادرة فضلاً عن زيارة 4 وزراء خارجية خليجيين إلى الصين.
بتاريخ 5 كانون الأول/ يناير الحالي وقّع المغرب والصين على اتفاقية “خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق” التي انضم إليها المغرب عام 2017. وبموجب الاتفاقية الموقعة ستشجع الحكومة الصينية شركاتها على الاستثمار في المغرب لاسيما في صناعة السيارات، الطيران، التنكنولوجيا، البنى التحتية، الطاقة، التجارة الالكترونية ، الصناعة ، الزراعة والنسيج.
تعود العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والصين إلى العام 1958، ومنذ ذلك الوقت تطورت العلاقات بين الجانبين، وساهمت الزيارة التي قام بها ملك المغرب محمد السادس إلى الصين في العام 2016 في تعزيز العلاقات التي وصلت إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية. ومنذ زيارة ملك المغرب إلى الصين نمت العلاقات التجارية بين البلدين إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في العام 2020 حوالي 4،76 مليار دولار. ويوجد في المغرب أكثر من 80 مشروعاً مشتركاً مع الصين من بينها مشروع ” مدينة محمد السادس طنجة تيك” الذي تقدر تكلفته بـ 10 مليار دولار، ومشروع المنطقة الصناعية في مدينة فاس. وتسعى الصين إلى الحصول على مشروع خط سكك حديد فائق السرعة يربط بين مدينتي مراكش وأغادير، ومشروع إنشاء وتشغيل وحدة بحرية عائمة لاستيراد وتخزين وإعادة تغويز الغاز الطبيعي المسال معروفة اختصاراً بـFSRU وغيرها من المشروعات في مجالات البنى التحتية والطاقة الشمسية. وستسهم المبادرة أيضاً في تعزيز الروابط الثقافية والسياحية بين الجانبين. أما على الصعيد الصحي فقد وقّع المغرب اتفاق مع شركة سينوفارم الصينية لانتاج اللقاح الصيني بعد أن شارك في التجارب السريرية للقاح.
للمغرب موقع جيواستراتيجي مميز وبوابة عبور الصين نحو أفريقيا وأوروبا. كما يمتلك المغرب العديد من الموارد والإمكانيات التي يمكن له من خلالها المساهمة في المبادرة الصينية إذ تتوفر فيه البنى التحتية الحديثة بالاضافة إلى الاستقرار السياسي والاصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها البلاد. وسيكون لميناء طنجة، أحد أكبر الموانئ في أفريقيا، دور كبير في مباردة الحزام والطريق.
يتبنى المغرب سياسة تنويع الشركاء من أجل تحقيق مصالح اقتصادية ودبلوماسية فعزز علاقاته مع الشركاء غير التقليديين كالصين وروسيا. ولكن يبقى السؤال إلى أي مدى سيبقى المغرب قادراً على أن يوازن في علاقاته بين الصين وكل من الاتحاد الأوروبي شريكه التجاري الأول والولايات المتحدة الأميركية التي اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب؟
وبالعودة إلى مبادرة الحزام والطريق التي تعد صفقة القرن بالنسبة لبكين، بلغ عدد الدول العربية الموقعة عليها 20 دولة باستثناء الأردن وفلسطين. وكانت سوريا آخر الدولة التي انضمت إلى المبادرة وانضمامها كان متوقعاً في ظل سيطرة قوات النظام على أجزاء كبيرة من البلاد ،وازدياد الحديث خلال السنتين الماضيتين عن رغبت الصين وسوريا في انضمام الأخيرة للمبادرة. فعملية الانضمام كانت محور المباحثات التي دارت بين وزير خارجية الصين وانغ يي والرئيس السوري بشار الأسد في أثناء زيارة المسؤول الصيني لدمشق السنة الماضية، كما كانت محور المحادثة الهاتفية التي جرت بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس السوري في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
 لم تنخرط الصين عسكرياً في الحرب على سوريا، بل كانت تدعم الحل السياسي لإنهاء الأزمة وحلّ الخلافات من خلال الحوار والتشاور. وسعت إلى التوسط بين الأطراف المتنازعة فعينت مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، كما استضافت معارضين سوريين ومسؤولين تابعين للدولة السورية، وقدمت لدمشق عدداً من المساعدات الانسانية ولقاحات كوورنا.
وبموجب مذكرة انضمام سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق سيتعاون الطرفان في مجالات عدة مما يساهم في انعاش الاقتصاد السوري وتطوير البنى التحتية المتهالكة. وكشفت تقارير إعلامية أن من بين المشاريع المقترحة للتنفيذ في إطار مبادرة الحزام والطريق منها ما هو في مجال النقل كالربط السككي بين مرفأ طرطوس والحدود العراقية ، وإنشاء طريق بري سريع يربط جنوب البلاد بشمالها، ومنها ما هو في مجال توليد الكهرباء واستكشاف النفط والغاز، إضافة إلى إنشاء مناطق حرة صينية في سوريا.
لكل من الصين وسوريا مصلحة في التوقيع على اتفاقية مبادرة الحزام والطريق. فلسوريا موقع استراتيجي مهم لنقل البضائع من وإلى الصين عبر خطوط نقل من العراق إلى سوريا ومنها إلى أفريقيا وأوروبا. وسوريا تبحث عن حليف قوي اقتصادياً للمشاركة في انعاش الاقتصاد السوري الذي دمرته الحرب والعقوبات الأميركية، فضلاً عن المساهمة في عملية إعادة الإعمار التي أعربت الصين مراراً عن رغبتها المشاركة فيها.
بمقدور الصين البدء بإعادة إعمار المناطق السورية الآمنة التابعة للنظام والمناطق المحررة، غير أن دخول الصين إلى سوريا لن يكون سهلاً لعدة أسباب منها قلق الصين من أن يشنّ المسلحون الايغور هجمات على الشركات الصينية متى بدأت العمل في سوريا وهذا يتطلب توفير حماية خاصة لهذه الشركات، ثانياً من المحتمل أن تفرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على الشركات الصينية استناداً لقانون قيصر.

نقلا عن رأي اليوم

اثنين, 17/01/2022 - 12:19