تحولات رُبع قرن

ذكَّرنا الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى فى الأهرام قبل أيام بمعركة دارت رحَاها عام 1925 حول كتاب (الإسلام وأصول الحكم.. الخلافة والحكومة فى الإسلام)، الذى أصدره الشيخ على عبد الرازق سعيًا إلى إثبات أن الخلافة نظام سياسى وليس دينيًا، وأن للمُسلمين اختيار النظام الذى يناسبهم وفق ظروفهم.

وجد مؤلف الكتاب نفسه فى مواجهة عاصفة عاتية برغم أنه لم يأت بجديد، لأن ما تضمنه كتابه سبقه إليه الشيخ محمد عبده، وبعمق أكثر، إذ شرح كيف أن أساس الحكم فى الإسلام هو عقد اجتماعى بين الحاكم والمحكوم. ومن طبائع مثل هذا العقد أنه ليس ثابتًا أو دائمًا، بل متغير. فالدولة فى الإسلام عنده مدنية, والحاكم تُنصَّبه الأمة وتخلعه عند الضرورة. لم يُهاجَم عبده، ولا تعرض لإيذاء من نوع ما حدث لعبد الرازق بعد نحو رُبع قرن0 ولا يعود الفرق بين الحالتين إلى مكانة حظى بها الأول, ولم يتوافر مثلها للثانى بخلاف اعتقاد شائع, بل إلى تغير الظرف الموضوعى. فقد استقوى أنصار الخلافة بالملك فؤاد، الذى تطلع حينذاك إلى الحصول على موقع الخليفة بُعيد إلغائه فى تركيا, إذ دعمهم وشجعهم، وفى مقدمتهم الشيخ محمد رشيد رضا فى مرحلة تحوله باتجاه سلفية متشددة, ودفاعه عن فكرة الخلافة فى كتابه الصادر عام 1922 (الخلافة). وكان الشيخ عبد الرازق ضحية ذلك الظرف، إذ اتُخذ وقودًا لمعركة ربحها من شنوها ضده شخصيًا، ولكنهم خسروها موضوعيًا. فبرغم ضراوة هجومهم المحمى بسلطة الملك، كان موقفهم قد ضعف نتيجة تطورين شكلا ملامح تلك اللحظة التاريخية. الأول هو فشل الدولة العثمانية التى حملت لواء الخلافة على مدى قرون, مما أضعف فكرة تعريب الخلافة التى طرحها عبد الرحمن الكواكبى فى أول كتبه (أم القرى)0 والثانى تبلور مفهوم الوطن المصرى فى أتون الكفاح ضد الاحتلال الإنجليزى، وترسيخه خلال ثورة 1919، حيث صار هدف المصريين واضحًا وهو الاستقلال التام عن الإنجليز والعثمانيين معًا.

حدث هذا فى رُبع قرن شهد عدة تحولات تقدمية, لم يستمر كثير منها بفعل تطورات أعقبتها فى اتجاه مُضاد لها.

* نقلا عن " الأهرام"

جمعة, 17/12/2021 - 13:19